«أنا مش مصدقة!! ميدالية ذهبية!! وكاميرا وشهادة تقدير!!» أمل (14 سنة)
«أنا حاسه ان النهارده يوم فرحى، كل الناس دى جت علشان تشوف الصور اللى صورتها وتشتريها كمان». ياسمين (15 سنة)
«انا باعرف اكتب رسائل نصية على المحمول» سيدة (15 سنة).
«هو يعنى ايه طفل شارع، هو الشارع بيخلف؟» أحلام 11 سنة.
«ما تقفلش شباك العربية، ابتسم فى وشى، انا طفل زيى زيك» محمد 10 سنوات.
عزة وفخر وابتهاج عبرت عنها أمل وياسمين وسيدة عندما استطعن ان ينظرن إلى انفسهن ليجدن ان لهن فرصا فى الحياة غير الحياة فى الشارع او الزواج فى سن الـ13. أمل حازت على الجائزة الأولى فى مسابقة دولية (ناشيونال جيوجرافيك مصر عام 2010)، وياسمين حققت أعلى مبيعات لصورها فى معرض فى الأوبرا المصرية فى 2010 وسيدة اكملت برنامج محو امية تفاعلى واستطاعت ان تقرا وتكتب وتريد استكمال دراستها. كلهن بنات فى مؤسسة بناتى التى ترعى الأطفال فى ظروف الشارع. اما أحلام فعبارتها تنم على تبرم ومرارة شديدين من الوصم الذى يصفها به المجتمع. وكل ما يريده محمد من طفل فى سيارة فى اشارة مرور هو ابتسامة.
●●●
تحاول حوالى 28 جمعية ومؤسسة مجتمع مدنى العبور بالطفل فى ظروف الشارع من الإحساس بالمهانة والقهر إلى تلك المنطقة التى يستطيع ان يعتز فيها بنفسه؛ أن يشعر انه مصدر بهجة لنفسه اولا ثم للآخرين. ولكن تحول عقبات جمة دون تحقيق ذلك. الطفل فى الشارع لا يختلف عن كل الأطفال المعرضين للخطر (حسب تعريف المادة 96 من قانون الطفل) ولكن الفرق بينه وبينهم هى ان مشكلته على المشاع؛ ظاهرة للعيان وليست ظاهرة بمعنى الحدث المتكرر المتواتر الحدوث. أنا لا يضايقنى اكثر من أن يوصفوا بأنهم «قنبلة موقوتة» لأن هذا الوصف يعفينا جميعا من المسئولية. قال لنا ــ نحن ممثلو المجتمع المدنى ــ مسئول فى منصب رفيع فى الدولة: «انا مش عايز اشوف العيال دى تحت الكوبرى او فوق الكوبرى، شوفولهم حل». هؤلاء المسئولون «هم» المشكلة وليس الأطفال. الطفل الذى ترك او اجبر على ترك بيته والنزول للشارع يقضى فيه معظم او كل وقته هو مسئولية اسرته، والدولة الممثلة فى مؤسساتها ووزاراتها من شئون اجتماعية، تعليم، صحة، إعلام وعدل وداخلية، والمجتمع المدنى المعنى بقضايا الطفل ونحن: المجتمع ككل الذى يصفهم بأنهم بؤر إجرامية ومصدر للأوبئة والأمراض.
عندما يأتى الينا الطفل فى مؤسسة بناتى اما للإقامة فى مركز الإقامة فى 6 اكتوبر او لقضاء بعض اليوم فى مركزى الاستقبال فى مصر القديمة وإمبابة، نعمل جاهدين على ازالة غبار الشارع عنه المتمثل فى امراض عضوية، او تراكمات هائلة من الأمراض النفسية، وأمية او تسرب من التعليم، وانتهاكات من القادة والأطفال الآخرين فى الشارع ومن الشرطة والشرطة العسكرية، وعنف وتفكك اسرى. نقوم بدراسة حالة كل طفل على حدة ونقدم له خدمات صحية ونفسية وتعليمية وقانونية وتأهيلية ولكن تواجهنا صعوبات تجعلنا نشعر فى كثير من الأحيان ان كل الجهد المبذول والمال المنفق (سواء عن طريق تبرعات او منح من جهات محلية ودولية) وحتى كل الآمال المعقودة قد وضعت فى إناء به ثقوب كبيرة وكثيرة. فكيف نمنع سيدة او ياسمين او محمد او غيرهم من الأطفال من العودة إلى حياة الشارع وكل من الأطراف التى يمكن ان تساهم فى حل المشكلة من جذورها تزيد من تعقيدها وليس حلها. وبما ان المشاكل التى يتعرض لها اطفالنا هائلة ولن يتسع المجال هنا للتعرض لها كلها فسوف اتناول هنا عامل واحد فقط من العوامل التى تسبب لى شخصيا الكثير من الألم والحسرة والإحساس بالعجر لعدم استطاعتنا التصدى لها بمفردنا كمؤسسة مجتمع مدنى. واعنى هنا العنف الأسرى ويشمل العنف البدنى والجنسى بدءا من تحرش إلى اغتصاب من الأب او زوج الأم او الأخ وفى مداهنة او إنكار تام من الأم بل واتهام البنت انها هى المحرضة وليست الضحية.
●●●
فى مؤسسة بناتى، وجدنا ان عدد الحالات التى تم تعرضها للعنف الأسرى سواء كانت جنسيا أو جسديا هى 1668 حالة من مجموع الأطفال الذين تتعامل معهم المؤسسة فى مركزى الاستقبال والإقامة وهو ما يعادل 65% تقريبا وكان ذلك السبب الرئيسى لتركهم الأسرة. ولذلك نحن نطالب بإضافة فقرة للمادة 39 الخاصة بالطفل فى الدستور الجديد تنص على: «تكفل الدولة الحماية لكافة فئات الاطفال المعرضين للخطر، والحماية من كافة أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة» كما نضم صوتنا للمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة فى إضافة مادة لقانون الطفل 126 لسنة 2008 تنص على التدابير التأهيلية للتعامل مع المعنف خاصة فى حالة العنف الأسرى بشرط ان تتضمن حدودا إلزامية للتدابير مع تطبيق نظام التصعيد:
1 ــ الخضوع لجلسات الإرشاد الأسرى وبرامج تأهيل المربيين
2 ــ الخضوع للعلاج النفسى او برامج علاج الإدمان
3 ــ الإلزام بتأدية خدمة عامة
والمختص بذلك هى لجان الحماية الحكومية التابعة لوزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية. وهنا أضيف: إذا ثبت حدوث التعرض للخطر يكون للجان الحماية الحق فى ان تضع الطفل فى احد مؤسسات الرعاية الحاصلة على شهادة جودة من هيئة غير حكومية تعنى بمراقبة ورصد وضع الطفل فى كافة المواقع والقضايا النوعية لحقوق الطفل، وتراقب مدى التزام الدولة ومؤسساتها بمعايير حماية حقوق الطفل. وتكون من ابرز مهامها استصدار امر قضائى بعدم تعرض الأهل للطفل لحين معالجة الأسباب التى ادت لتعرضه للإساءة ويقوم احد موظفى لجان الحماية او المجلس القومى بتسليم الأمر القضائى للأسرة ومتابعة اتخاذ التدابير لعلاج المشكلة الأسرية. كما تتخذ اجراءات لتأهيل الأسر او الأمهات المعيلة اقتصاديا من تدريب وتوظيف لما لذلك من تأثير مباشر على قدرة الأسرة على إعالة الأطفال ومن ثم إحجامهم عن تركهم للنزول فى الشارع. ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن ان نغرس فى اطفالنا، الذين اعتادوا على جميع انواع الإساءة والإهمال، ان من حقهم علينا حمايتهم ومن حقهم على انفسهم الا يقبلوا بهذه الإساءة حتى لا يقولوا مثلما قالت لى احدى بناتنا: «ابويا يعمل فيا اللى هو عايزه انشالله يحرقنى، مش ابويا ؟»