أيها المعارضون: أين الإجابة عن سؤال (كيف)؟ - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيها المعارضون: أين الإجابة عن سؤال (كيف)؟

نشر فى : السبت 17 أكتوبر 2009 - 9:52 ص | آخر تحديث : السبت 17 أكتوبر 2009 - 9:52 ص

 كثر الحديث فى الفترة الأخيرة عن نشوء حركات سياسية تحمل مطالب شتى تتراوح ما بين الإصلاح ورفض التوريث، ويكاد يكون شخوصها هم أنفسهم الذين احتلوا المشهد السياسى المعارض منذ أكثر من ثلاثين سنة.

فى تقديرى لا تزال هذه الحركات تطرح السؤال ــ الخاطئ، وهو «لماذا نتجمع؟»، ولم يتطرقوا بعد إلى السؤال المحورى وهو «كيف نتجمع؟». بسبب التركيز المفرط على السؤال الأول تداعت حركة كفاية وشقيقاتها فى تونس وسوريا، ووئدت الحركات التى قامت على أنقاضها، هذا فى الوقت الذى تكشف فيه تطورات الأحداث فى السنوات الماضية أن الحركات التى تجاوزت سؤال النشأة إلى سؤال العملية ــ أى طرح آليات الإدارة، والمبادرة، والتنسيق، والمتابعة ــ هى التى نجحت من إضرابات العمال إلى قضية «إجريوم» مرورا بإضراب موظفى الضرائب العقارية وخبراء العدل.

حول سؤال الكيف، نقترب من الحركات السياسية المطالبة بالديمقراطية.

(1)
تنشأ أى حركة اجتماعية ــ حسب هيبرماس ــ نتيجة تغول كل من مؤسسات الدولة البيروقراطية، والسوق على المجتمع المدنى، أو ما أطلق عليه Life World، حيث تشعر فئات مختلفة من المجتمع ــ كما ذهب كلوز أوف ــ بأن المؤسسات الوسيطة من أحزاب ونقابات لم تعد قادرة على تمثيل مصالح أعضائها، وبلورة مطالبها الأساسية، مما يدفعها إلى إنشاء حركات اجتماعية للتعبير عن المطالب المسكوت عنها.

بالطبع هذا توصيف تقليدى لنشوء الحركات الاجتماعية، حدثت عليه مراجعات كثيرة، ولا سيما بعد نشوء الحركات المطالبة بالحقوق المدنية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، والحركات الشبابية الغاضبة فى الستينيات والسبعينيات، وحركات التغيير الديمقراطى فى أوروبا الشرقية فى الثمانينيات وما تبعها. وأهم ما يميز هذه المراجعات البحث فى أسئلة جديدة لتفسير نشوء الحركات الاجتماعية منها سؤال الهوية الجماعية، والرغبة فى التعبير عن عدم الرضاء العام والخاص، والاهتمام بقضايا جديدة مثل تلوث البيئة، والعولمة.

وبرغم ذلك سيظل هناك أسهام مهم لمدرسة «تعبئة الموارد» فى دراسة الحركات الاجتماعية، التى انتقدت تركيز الدارسين على سؤال: «لماذا تنشأ الحركات الاجتماعية؟»، واستبدلت به سؤالا جديدا هو «كيف تنشأ الحركات الاجتماعية؟».

وفى رأى أنصارها أن الحركات الاجتماعية تحتاج إلى موارد مادية (نقدية وعينية)، واتصالية (قدرات تواصلية بين الأعضاء)، ورمزية (الاتفاق على خط أيديولوجى عام).

دراسة الحركات الاجتماعية فى مصر شديدة الفقر والبؤس، والباحثون فى هذا المجال قلائل. وهو أمر يختلف تماما عن الخبرة الغربية، حيث ألهمت التطورات السوسيو ــ اقتصادية فى الغرب عقول الدارسين الذين هالهم صعود الحركات الفاشية والنازية فى أوروبا، فاهتموا بدراسة «السلوك الجماعى»، ثم انتبهوا إلى تصاعد الحركات العمالية، ثم ما لبثوا أن وجهوا اهتماماتهم إلى العلاقة بين الأثنية والحركات الاجتماعية، وأخيرا اهتموا بقضايا تتعلق بالتحول الديمقراطى، وكيفية نشوء حركة اجتماعية ديمقراطية. التراث البحثى المصرى فى هذا الميدان فقير، إما غائب أو شديد الإيديولوجية. يضاف إلى ذلك أن الحركات الاجتماعية ذاتها باتت تضجر من ممارسة النقد لها، وترى فى نفسها قوى طليعية لا يصح أن يمسها أحد أو يقترب منها.

هذه قضية مهمة، ولكن نعود إلى السؤال الأصلى وهو «كيف» وليس «لماذا»؟

(2)
لا أعتقد أن هناك اختلافا معتبرا بين الدارسين على الأسباب التى يمكن أن تدفع إلى نشوء حركات اجتماعية فى مصر. إذ إن انسداد الأفق السياسى الديمقراطى، وتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتصاعد الإحساس بالهويات الفرعية يكفى أن يكون فى ذاته سببا فى دفع فئات من المجتمع إلى إنشاء حركات اجتماعية تعبر عنها بعد أن أصبح النظام الحزبى غير فاعل.

ولكن لا يكفى أن تنشأ حركة سياسية لها مشروع متكامل تسعى إلى تحقيقه ــ حتى لو كان بسيطا فى طرحه ــ حول مناهضة التوريث، أو البحث عن رقابة دولية للانتخابات، دون التفكير فى وضع إطار فكرى مركب للحركة، والاتفاق على آليات واضحة للتنفيذ، وإفراز قيادة ديمقراطية مقنعة قادرة على إدارة الحوار مع الحكم بما يتضمن ذلك من مهارات المساومة، ووجود قنوات تنظيمية قادرة على تعبئة قطاعات واسعة من المجتمع، والأهم من كل ذلك التخلص من الأنانية السياسية التى تصل إلى حد الانتهازية لحظة المساومة والاتفاق بين المعارضة والحكم.

فقد نشأت حركة «كفاية» تبحث عن شرعية فى مواجهة الحكومة وأحزاب المعارضة، فخسرت الاثنين، ووجدت نفسها فى حرب مزدوجة، لم تقل أساليب المعارضة فى التعامل معها حدة عن الأساليب التى اتبعها الحكم. وبات واضحا أن أحزاب المعارضة قانعة بحالها تبحث عن عوائد المساومات السياسية مهما كانت هزيلة. اليوم يبدأ الاحتجاج من الباب نفسه، أى البحث عن الأحزاب السياسية، التى لم تعد تمثل أى قوى اجتماعية حقيقية.

لا يكفى لاجتماع قوى المعارضة طرح مشروع «الرقابة الدولية على الانتخابات»، وهو ليس إطارا فكريا لكنه إجراء سياسى لتأمين الحد الأدنى من التنافس بين القوى السياسية المعارضة والتنظيم السياسى الحكومى، ورغم ذلك بدأت الأحزاب تساوم به بحثا عن أوراق تفاوض بها الحكم، وهو ما يتضح من ردود أفعالها.

والغريب أن يبحث معارضون عن وضع الانتخابات تحت رقابة دولية دون أن تكون هناك حركة سياسية لها مرشحون يخوضون هذه الانتخابات. ولا يفهم من حديثى أننى ضد التماس أى ضمانات محلية أو دولية لضمان نزاهة الانتخابات، ولكن ما يدعو إلى الاستغراب أن يكون ذلك سابقا على الجهد المفترض القيام به، وهو إعداد مرشحين، وبلورة حركة سياسية على مستوى الشارع، وامتلاك الحد الأدنى من القدرات المادية والاتصالية والرمزية، التى تتيح المنافسة السياسية. هنا يصبح من الضرورى أن نسأل سؤال «كيف» وليس سؤال «لماذا»، نسأل عن قدرات التعبئة، والإدارة، والمساومة، وليس الاتفاق على أسباب التجمع السياسى فى حد ذاته.

فالمعارضون يتجمعون بسبب وبدون سبب، ولكن اجتماعهم لا يدوم، واتفاقاتهم تذوب تحت لهيب المكاسب السياسية الذاتية، وخلافاتهم فى شدتها تفوق معارضتهم للنظام ذاته. والسبب فى استمرار هذه الظاهرة فى الواقع المصرى على مدار أكثر من ثلاثين سنة هو الاكتفاء بطرح سؤال «لماذا» دون أن يمتد الجهد، وهو الأمر الأصعب حتما إلى الإجابة عن سؤال «كيف».

(3)
حتى تنشأ حركة سياسية ديمقراطية، وهو ما يحتاج إليه المجتمع المصرى، يجب أن يكون هناك إطار فكرى، يتجاوز الإجراءات السياسية، إلى الأفكار، والرؤى التى تتعلق بتقدم المجتمع المصرى، والاتفاق على مستقبله، ليس فقط سياسيا، ولكن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ثم يأتى لاحقا الاتفاق على الآليات، التى تنتهجها هذه الحركة السياسية لتحقيق ذلك فى ضوء وجود قيادة لها، تمتلك من الثقافة والخبرة ما يتيح لها التعبير عن مطالب الأعضاء المنتمين لها. هنا يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا. وضوح الأفكار يعنى وضوح المنهج، وغياب الرؤية يعنى ضعف أبصار على مستوى الشارع السياسى. قد يتفق الإخوان المسلمون والناصريون وكفاية والغد والجبهة الديمقراطية على رفض «التوريث»، لكنهم بالتأكيد سوف يختلفون على مستقبل مصر.

قد يتفق المعارضون جميعا على أهمية كسر احتكار الحزب الوطنى للسلطة، لكنهم يحملون فى أنفسهم ــ قطعا ــ نوازع الكراهية والشك المتبادل تجاه بعضهم بعضا، ولاسيما الإخوان المسلمين فى علاقتهم بأحزاب مثل التجمع والوفد.

الفرصة لا تزال سانحة لنشوء حركة سياسية لها إطار فكرى، ومنهج، وآليات عمل واضحة. قد لا تجمع الكل، وبالمناسبة لا يجب أن يكون بها كل معارض، لكنها سوف تنمو بمرور الوقت، وتكتسب حضورا، وتصيرا رقما فى المعادلة السياسية بناء على أسس سليمة.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات