إسرائيل تستعيد الجدل حول أزمة الصهيونية - محمد محمود السيد - بوابة الشروق
الجمعة 31 يناير 2025 2:43 م القاهرة

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إسرائيل تستعيد الجدل حول أزمة الصهيونية

نشر فى : الإثنين 17 أكتوبر 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : الإثنين 17 أكتوبر 2016 - 10:35 م
فى التاسع من سبتمبر 2016، خرج بنيامين نتنياهو بتصريحات، أثارت انتقادات المجتمع الدولى، حيث أشار إلى أن إزالة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، وفقا للرؤى الأمريكية والغربية لعملية السلام فى المنطقة، هو «تطهير عرقى».

وبسبب هذا التصريح، تحولت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، على مدى الأسبوع الماضى، إلى مسرح لاستعادة حالة الجدل الأكاديمى حول حقيقة تاريخ إسرائيل عام 1948، وهو جدل ينعش آمال كل من آمنوا بأن الصهيونية فى طريقها للاندثار، إن عاجلا أم آجلا، وقد يكون ذلك لصالح تيار ما بعد الصهيونية.

دانيال بلاتمان، أستاذ التاريخ اليهودى الحديث ودراسات الهولكوست فى الجامعة العبرية فى القدس، نشر فى الثالث من أكتوبر 2016، مقالة له على موقع صحيفة هاآرتس، بعنوان «نتنياهو، هذا هو التطهير العرقى»، ردا على تصريحات نتنياهو. سخر بلاتمان فى مقاله من نتنياهو، وحاول تذكيره بالمعنى الحقيقى للتطهير العرقى، فعاد به إلى عام 1948، حينما مارست إسرائيل تطهيرا عرقيا ممنهجا تجاه الفلسطينيين.

يقول بلاتمان إن التطهير العرقى هو مفهوم جديد، دخل الخطاب القانونى عام 1992 أثناء الحرب البوسنية، عندما هاجم الصرب مسلمى البوسنة، بهدف نقلهم قسرا من إقليمهم. وعادة ما يستخدم هذا المفهوم فى الحالات التى ينبغى أن تسمى حقا «إبادة جماعية». وهنا استعان ببعض المقولات والاستنتاجات التى توصل إليها المؤرخ الإسرائيلى «بينى موريس»، فذكر أن نحو 400 ألف عربى طردوا من البلاد فى المرحلة الأولى من حرب 1948، حتى قبل دخول الجيوش العربية، وذلك لأنهم كانوا سكانا غير مرغوب فيهم من منظور عرقى أو عنصرى أو دينى أو استراتيجى، أو من كل وجهات النظر هذه معا. وتم تدمير المئات من المجتمعات التى كان يعيش فيها العرب، حيث سرقت ممتلكاتهم، وتعرض كل من حاول العودة منهم لإطلاق النار. وقال صراحة: «إن ما حدث عام 1948 كان أنجح عملية تطهير عرقى فى القرن العشرين».

سخر بلاتمان من ادعاءات نتنياهو، وذهب إلى أنه لا ينبغى أن نصف ما تعرض له الفلسطينيون البائسون من اقتلاع من وطنهم، وتركهم جوعى وعطشى، يواجهون أخطارا وجودية، بذات المصطلح الذى يطلق على ما حدث من إجلاء لمستوطنات غزة، التى وعد سكانها من جانب الحكومة الإسرائيلية بتوفير مبالغ طائلة لهم، وشبكة أمان، وحياة جديدة مريحة.

***

يبدو أن مقال بلاتمان قد استفز المؤرخ الإسرائيلى «بينى موريس»، أحد أبرز مؤسسى تيار المؤرخين الجدد، وصاحب الكتاب الثورى «مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين»، ولكن قبل أن يرتد عن أفكاره. فبعد ثلاث سنوات من الانقطاع عن الكتابة فى الصحيفة ذاتها، عاد بينى موريس بمقال جديد على هاآرتس فى 10 أكتوبر 2016، بعنوان «إسرائيل لم تقم بتطهير عرقى عام 1948»، وذلك ردا على مقال بلاتمان.

فى بداية المقال انتقد بينى موريس بلاتمان بشدة، وقال إنه خان مهنته كـ«مؤرخ»، عندما نسب إليه (بينى موريس) ادعاءات لم يذكرها، وشوه تاريخ حرب 1948. يقول بينى موريس إن بلاتمان تجاهل بشكل أساسى حقيقة أن الفلسطينيين هم من بدأوا الحرب عندما رفضوا خطة تسوية الأمم المتحدة، وشرعوا فى تنفيذ أعمال عدائية، خلفت مقتل 1800 يهودى بين نوفمبر 1947 ومنتصف مايو 1948، وهو ما يجعل هذه الحالة تختلف عن الحالة البوسنية، التى بدأ فيها الصرب، فعليا، الحرب وحملة التطهير العرقى.

كما شدد على أن أعداد الفلسطينيين الذين فروا كان أقل مما ذكره بلاتمان، والأهم أن الدول العربية هاجمت إسرائيل بغرض تدميرها، وليس الدفاع عن الفلسطينيين، كما أن الزعماء العرب قد هددوا إسرائيل حتى قبل صدور قرار الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947، وقبل أى يشرد عربى واحد من منزله.

أكد بنى موريس أنه لم تكن هناك أى مؤسسة يهودية (الوكالة اليهودية، أو الحكومة الإسرائيلية، أو هيئة الأركان العامة للهاجاناه، أو هيئة الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية) لديها خطة فى برنامجها لتهجير العرب عن أرضهم. وصحيح أنه فى منتصف عام 1948 اعتمدت دولة إسرائيل الجديدة سياسة منع عودة اللاجئين، ولكن هؤلاء اللاجئين هم الذين حاولوا قبل أشهر وأسابيع القضاء على دولة فى طور التكوين. وهى سياسة منطقية وعادلة.

***

وصلت ادعاءات بينى موريس فى مقاله إلى حد اتهام العرب بممارسة التطهير العرقى فى المناطق التى احتلوها عام 1948، واقتلاع اليهود منها وصولا إلى آخر واحد.

الحقيقة أن هذا الجدل الأكاديمى لم يطرح جديدا فيما يتعلق بحقائق حرب 1948، التى طرحها المؤرخون الجدد، منذ نحو ثلاثة عقود مضت، وكذلك لم يطرح جديدا بشأن ارتداد بينى موريس عن أفكاره، بعدما اعتبر البعض أنه من قاد حركة المؤرخين الجدد فى ثمانينيات القرن الماضى.
ولكن تكمن الأهمية الحقيقية لهذا الجدل فى إعادة طرح أفكار ما بعد الصهيونية إلى المجال العام، والكشف عن عمق أزمة الصهيونية التى تتفاقم يوما بعد يوم. فالصهيونية قد هرمت، ولم تعد قادرة على إعادة إنتاج نفسها، حتى على مستوى النخبة السياسية؛ فتربع نتنياهو على كرسى الحكم فى إسرائيل منذ عام 2009، دون منافس حقيقى، هو خير دليل على ذلك.

لم تستطع الصهيونية الانتقال سياسيا وأمنيا واجتماعيا إلى مرحلة ما بعد «تأسيس الدولة»، فهى لم تعرف إلى الآن حدودا ثابتة، ومستوطناتها دائما معرضة للإزالة فى حال التوصل إلى اتفاق وضع نهائى مع الفلسطينيين.

كما لا تستطيع الحكومة تقويض المقاومة الفلسطينية، سواء عن طريق المواجهة الأمنية، أو التوصل إلى اتفاق سياسى نهائى. مع العلم أن مستقبل «ما بعد الدولة»، يفترض إنهاء المقاومة الفلسطينية تماما حتى يتسنى خلق مجال سياسى اجتماعى إسرائيلى آمن ومستقر. ومازالت الصهيونية غير قادرة على معالجة الصراع الدينى العلمانى، أو تخفيف حدة التمييز العنصرى ضد اليهود السفارديم والعرب، وكذلك مازالت غارقة فى ثنائية دولة ديموقراطية أم دولة يهودية، خاصة فى ظل تنامى رفض الديموقراطية التى ابتدعتها إسرائيل خصيصا لتتماشى مع حالاتها، وهى «الديموقراطية الإثنية».

وفى ظل أزمة الصهيونية لم يستطع تيار «الصهيونية الجديدة» المتطرف، والذى يمتلك فئات واسعة مؤمنة به، ومتقلدة لمناصب مرموقة فى الدولة، أن يصيغ مشروعا سياسيا بديلا للصهيونية، رغم وجود مجال عام واسع ومهيئ له.
وعلى النقيض، يمتلك تيار ما بعد الصهيونية برنامجا متكاملا لإدارة شئون المجتمع بعد تراجع الصهيونية، وهو البرنامج القائم على إدارة مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، وفق مبدأى العدالة والمساواة، حيث يتم استبدال الولاء العرقى بالولاء الوطنى. ولكن يفتقد هذا التيار إلى الدعم السياسى، وحرية العمل داخل المجال العام الإسرائيلى.

وهو الأمر الذى ربما يتغير قريبا، خاصة أن تراجع الصهيونية، وتخلى إسرائيل عنها لم يعد أمرا مستحيلا كما كان يبدو، بل بات وشيكا.

 

التعليقات