المرأة لغز بالنسبة للرجل، وكذلك الرجل بالنسبة للمرأة. يشكو كل منهما من غرابة أطوار الآخر. يستغرب الرجال عندما تشكو المرأة من مشكلة، ولكن ضيقها يزداد لو حاول الرجل مساعدتها بحل. ويعجبون من غضبها عندما يقع طلاق أو انفصال طالما ألحت عليه!
وتتعجب النساء من نسيان الرجال لتواريخ المناسبات الهامة: عيد الميلاد، أول لقاء، أو تاريخ الزواج، وتغضبن كثيرا عندما لا يدرك الرجل أهمية اللمسات الرومانسية والعاطفية؟
أسئلة يقترب هشام الجمل مؤلف كتاب شفرة روميو وجولييت منها ويتناولها بشكل علمي بناء على الطفرة التي حدثت في المعلومات المتوافرة عن الدوافع النفسية والبيولوجية التي تؤثر في سلوك البشر. بحسب تعبيره يأخذنا مع رجل وامرأة خلف الستار ويحاول استخراج معلومات عن العلاقة بينهما يقسمها إلى ثلاثة أنواع:
- نوع يساعد على تغيير واقع ربما يكون متوترا،
- ونوع يساعدنا على الفهم بما يجعلنا نتعامل مع ما لا نتمكن من تغييره بشكل أفضل،
- ونوع أخير ندرك معه أن بعض جوانب العلاقة لن يتغير، والأجدى الانصراف عن محاولة تغييره.
من أهم النقاط التي يركز عليها هشام الجمل أن بعض الأنماط السلوكية عند الجنسين نشأت من تاريخ طويل للعلاقة بينهما. يقول إن عمر الجنس البشري على الأرض يصل إلى حوالي مئتي ألف سنة في حين أن عمر الحضارة الإنسانية التي نعرفها اليوم، بمجتمعاتها المستقرة المركزية ذات القوانين، لا يتجاوز عشرة آلاف سنة. وهو ما يعني أن البشر عاشوا لمدة 190 ألف سنة في ظروف تخالف ما عرفوه خلال العشرة آلاف سنة الأخيرة.
عالم الغابة وفوضى ما قبل الاستقرار كان بلا قوانين وأنظمة وكانت سلوكيات البشر محكومة فيه بما يعين الجنس البشري على الاستمرار والتكاثر ومواجهة ظروف شاقة وخطرة أحيانا. والسلوكيات التي نشأت في حقبة الفوضى الأولى هذه لا يزال بعضها يتحكم فينا دون وعي.
هذا هو ما يجعل اهتمامات الطفل والطفلة تتباين منذ الصغر. الولد يهتم "بالأشياء" المحيطة لأن الدور الذي أوكل لأجداده على مدى 190 ألف سنة كان التعامل مع الموجودات الخارجية، واستكشاف البيئة ومحاولة ترويضها أو الوقاية من مخاطرها. لذا يبحث من طفولته عن الحجر المسنون، يصنع قوس الصيد، ويضع العلامات على الطريق للاسترشاد وهكذا. الفضول وحب الاستطلاع والمغامرة صفات تزيد من فرص بقاء المجتمع والحفاظ عليه.
يختلف الوضع مع المرأة التي تهتم بالمشاعر وقراءة الرسائل العاطفية والأسباب هنا في رأيه قديمة أيضا. فمن المهم لها أن تدرك حقيقة مشاعر ونوايا ذلك الذكر الذي يحوم حولها ويمطرها بالهدايا. هل هو مهتم بها فعلا أم أنها يرغب في متعة سريعة يلقي أثناءها ببذرته داخلها ثم يترك لها الحمل ثقيلا في غابة لا تعرف الرحمة ليلهث وراء متعة أخرى. اهتمام المرأة بالمشاعر ليس رومانسية خالصة ولكنه جزء من آليات البقاء والحفاظ على النوع في سياق مجتمعات ما قبل الاستقرار. خاصة وأن المرأة في ظل ظروف البيئة القاسية تحتاج إلى من يساعدها في المهام التي يعجزها الحمل عن القيام بها. وتستمر القدرة على قراءة العواطف والمشاعر واستكناهها في عالم اليوم، رغم أن المرأة العصرية ليست في نفس وضع الاحتياج المادي والعملي الذي كانت عليه جداتها الأوليات.
الكتاب يستحق القراءة والمناقشة إلا أنني أعلن لكل سيدة ستقرأه أنني قد لا أكون موافقا تماما على افتراض المؤلف أن "زوغان" عين الرجل يعود إلى عوامل بيئية قديمة جدا وله علاقة بضرورة حفظ النوع. هذا التفسير مسؤولية المؤلف وحده وأعلن تنصلي منه إيثارا للسلامة.