نشر موقع 180 مقالا للكاتب سامى كليب.. جاء فيه ما يلى:
تشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى العام 2020 محطة مهمة فى العلاقات الدولية كما فى صياغة رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة للمنطقة. بهذا المعنى، تبدو لعبة الأوانى المستطرقة فى المنطقة كأنها مجرد تعبير عن مرحلة انتقالية طويلة
يُسيّر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان دوريات مشتركة مع القوات الروسية فى شمال شرق سوريا بعد قمته الناجحة مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ثم يذهب لمعانقة الرئيس الامريكى دونالد ترامب الذى وصفه قبل أسابيع بـ «الأحمق»، بينما الرئيس السورى يتهمه بـ«اللص». لكن ترامب الذى جاهر بالنفط كسبب وقح لبقائه فى سوريا، بعد ضغوط البنتاجون واللوبيات العريقة فى التنكيل بالعرب، كان قد قال أيضا فى الرسالة نفسها لشريكه فى الأطلسى أردوغان: «تعال نتفق على صفقة جيدة». لا شك أنهما فى لقائهما يوم الأربعاء قد اتفقا على الصفقة. ولا شك كذلك أن روسيا كانت وما زالت تفتح كل الأبواب والنوافذ والمنافذ لكل الصفقات مع شريكها التركى كى تحافظ على دورها القوى فى سوريا والمنطقة، وتعزّز دور الدولة السورية.
فى جانب آخر، تبدو العلاقات الإيرانية التركية مثيرة للاهتمام، فأردوغان الذى تجنب السير فى ركب من أدانوا طهران بعد الاعتداءات على منشآت أرامكو السعودية، يحافظ على علاقات تجارية واقتصادية ممتازة مع إيران، لكنه يسمع رأيين من الداخل: الأول يقول إنه «يزعجنى» هو ذلك الذى ينتقد بشدة إقامة قواعد عسكرية تركية فى سوريا، والثانى يقلقه المستقبل الإيرانى فيحذر من احتمال امتداد لهيب العراق الحالى إلى الداخل الإيرانى، فيلاقى تصريحه هذا صدى إيجابيا عند القيادة الإيرانية عبّرت عنه بوضوح وزارة الخارجية الإيرانية.
***
العالم ينتظر ما ستئول إليه أحوال ترامب، وينتظر وضوح الرؤية حول مستقبل انتخابات ٢٠٢٠ ليقرّر مع من يعقد الصفقة، مع ترامب أو مع البديل؟
لنترك جانبا إسرائيل التى تغذى كل الصراعات وتستفيد منها، ونرى الواقع كما هو: تعيش أمريكا حاليا أكثر أوقاتها إثارة وحساسية، مع بدء الجلسات العلنية لعزل ترامب فى مجلس الشيوخ تحت عنوان فضيحة «أوكرانيا جيت» يوازيها تقدم التحقيقات حول تضخيم ترامب لثروته واستغلال منصبه بغية الحصول على أموال من المصارف.
العالم ينتظر ما ستئول إليه أحوال ترامب، وينتظر وضوح الرؤية حول مستقبل انتخابات ٢٠٢٠ ليقرّر مع من يعقد الصفقة، مع ترامب أو مع البديل؟ فهذه الصين مثلا ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، تنتظر بحذر قبل الإقدام على تلك «الصفقة التاريخية» التى يروّج لها الرئيس الأمريكى بقوله إن «بكين خدعتنا لسنوات طويلة بسبب الرؤساء السابقين، لكنها تبقى أفضل من أوروبا» لجهة التجارة والرسوم الجمركية. هو تارة يعد بأنهار اللبن والعسل مع الصين، وتارة يهدد بمزيد من الرسومات والعقوبات. تجد الصين الفرصة مناسبة تماما الآن للحصول من الرئيس الأمريكى على أكبر تنازلات فى مجال رفع الرسوم الجمركية عن صادراتها، وإلا فهى ستنتظر البديل.
يريد الرئيس الأمريكى فى ما بقى له من وقت، أن يحقق شيئا عظيما فى الخارج. لم تنفع رواية قتل البغدادى بالكثير. لا ينفع تهديده الأوروبيين بإعادة الدواعش لعندهم بمساعدته. فهم يناهضونه فى ملفات كثيرة تبدأ بطبيعة التصرف مع أوروبا، وتمر بغدره بالكرد، وبتضييعه فرص السلام الفلسطينية الإسرائيلية بعد إجراءاته حيال القدس، وبدفعه إيران مجددا إلى التطرف النووى، وصولا إلى سعيه الآن لضرب المحور الإيرانى فى العراق ولبنان واليمن وسوريا.
إيران تنتظر كما الصين وروسيا مآلات الانتخابات الأمريكية. هى تجيد لعبة الانتظار فى هكذا أوقات. لا بأس أن قدّمت جزرة الاكتشافات النفطية الهائلة، لا بأس كذلك إن نصحت بتسهيل المفاوضات بشأن اليمن، لا بأس إن رفعت الصوت متهمة أمريكا وإسرائيل بالتآمر فى العراق ولبنان. كل هذه أوراق تريد استخدامها لصد أمريكا أو جذبها بشروط إيرانية بعدما فعلت العقوبات الاقتصادية فعلها فى الداخل الإيرانى وعند حلفاء طهران. وفى هذا رد أيضا على العقوبات، فالصين جاهزة لصفقة نفطية كبيرة مع إيران تكمل صفقاتها الكثيرة معها.
أردوغان ذهب باتجاه ترامب بغية الحصول على مكاسب أكثر فى هذا الوقت الحساس. السعودية استقبلت وزير الخارجية مايك بومبيو الذى وعدها قبل اشتعال العراق ولبنان، بأن أمريكا ستعمل معها لمعاقبة إيران ووضع حد لدورها. تريد الرياض وأبوظبى الحصول على أكبر قدر من دعم ترامب قبل مغادرته أو التجديد له. سارعت أمريكا إلى إتهام طهران بإشعال الوضعين فى العراق ولبنان. إسرائيل كانت وما زالت تسعى لإقناع الرئيس الأمريكى بعدم الاكتفاء بخنق طهران اقتصاديا، وإنما بالإجهاز عليها وعلى حزب الله فى هذه الأوقات المناسبة. وهو لن يفعل. لذلك من المهم مراقبة الأداء الإسرائيلى حين يشتد الخناق على رقبة ترامب، فدوره بالنسبة للقدس والجولان نُفذ بنجاح باهر بالنسبة لإسرائيل وما عاد قادرا على تقديم المزيد.
***
سنبقى إذا وحتى انقشاع الرؤية الامريكية فى أوج صراع سيحتدم أكثر بين المحاور.
لو نظرنا عن قرب إلى التطورات الملتهبة فى المنطقة أى العراق ولبنان وسوريا واليمن، نرى تماما أن فى اللحظات الأمريكية الحاسمة هذه، ثمة رأيين فى أمريكا، أولهما يتحدث عن خطورة هذه الفوضى على المنطقة وعلى مصالح أمريكا وحلفائها بسبب غياب رؤية واضحة لدى الإدارة الأمريكية، وثانيهما يجزم بأن هذه لحظة مفصلية لقلب المعادلات، فمن بوليفيا التى أطيح برئيسها، إلى فنزويلا المضطربة إلى هونج كونج المتمردة على الصين بدعم أمريكى، إلى العراق فلبنان، لاحظوا التشابه الكبير فى ما يحصل فى الساحات. ثمة من يريد ببساطة سرقة غضب الناس الصادقين والفاقدين أى أمل بسلطات فاسدة، وتوظيفه فى صراع المحاور مباشرة أو عبر الجيل الرابع من الحروب. وبين الناس، من يسيرون أيضا فى هذا الاتجاه مع الأسف.
سنبقى إذا وحتى انقشاع الرؤية الأمريكية فى أوج صراع سيحتدم أكثر بين المحاور، وسينزف الدم العربى مجددا فى وقت الانتظار لأنه لا توجد أى رؤية عربية لتطورات العالم…من لا يرى ذلك فهو إما أعمى أو متواطئ.
النص الأصلى:من هنا