منذ أيام قليلة طالعتنا الأنباء بالإعلان عن أفضل الدول التى يشعر المقيمون فيها بالسعادة، وقد تصدرت الإمارات العربية المتحدة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ نالت المركز الـ 19 عالميا على قائمة أفضل دول العالم فى «جودة الحياة»، وفقا لنتائج الاستبيان الذى أجرته شركة «ويليام راسل» البريطانية المتخصصة. وقد نالت الإمارات 5.46 درجة من أصل 10 درجات فى هذا المؤشر. وقد تفوقت الإمارات فى هذا المؤشر على كلٍ من أيرلندا، التى جاءت فى المركز الـ 20 عالميا، وكندا الـ 21، والولايات المتحدة الأمريكية الـ 22، اليابان الـ 27، والمملكة المتحدة الـ 28، وبلجيكا الـ 30، وفرنسا الـ 36. وتصدرت فنلندا مؤشر «جودة الحياة» برصيد 7.91 درجة.
وفى مؤشر آخر ضمن استبيان «ويليام راسل» أيضا، وهو مؤشر «السعادة»، نالت الإمارات المركز الـ 12 عالميا، برصيد 6.8 درجة. وتفوقت الإمارات فى هذا المؤشر على كلٍ من ألمانيا، إسبانيا، والدنمارك، والتى نالت المراكز من الـ 15 إلى الـ 17، على التوالى. وتفوقت الدولة أيضا على فرنسا التى نالت المركز الـ 21، وعلى كلٍ من هولندا، بلجيكا، والمملكة المتحدة، التى جاءت فى المراكز من الـ 23 إلى الـ 25، على التوالى. وكانت صدارة مؤشر «السعادة» من نصيب أستراليا برصيد 9.37 درجة، فيما اقتسمت نيوزيلندا وكندا المركز الثانى، بنفس الرصيد، وهو 8.93 درجة.
مما سبق يلاحظ للوهلة الأولى أن إدراك الفرد للسعادة يتوقف بشكل رئيس على مستوى الدخل للفرد، ومدى الرضا عن الحياة النابع أيضا من متوسط العمر الصحى المتوقع، بالإضافة إلى محاور أخرى مثل الدعم الاجتماعى، وحرية تقرير خيارات الفرد فى الحياة، والكرم المعيشى، والشفافية ومواجهة الفساد.
وبقياس كافة تلك الأمور فى مصر، التى اختفت من المؤشر، سنجد أن هناك علامات أو مظاهر تجعل الناس يظهرون فى حالة عدم رضا. واحدة من أهم تلك المظاهر، الهجرة إلى الخارج للبحث عن فرص عمل، والتى ترتبط بخروج أكثر من 10 ملايين نسمة، أى ما يربو من 10% من المصريين للعمل فى الخارج ومعظمهم بالطبع فى البلدان العربية، وأغلبهم فى بلدان الخليج ذات الفوائض النفطية، أو الهجرة بشكل دائم أو شبه دائم ومعظم هؤلاء ينتقلون إلى بلدان كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوروبا بشكل أساسى.
أما بالنسبة إلى الأمور التى تجعل المواطن سعيدًا فهى بلا شك ترتبط فوق إيجاد فرص العمل المناسبة وبالأجر المرضى، فى درجة الرضاء عن الخدمات التى تقدمها الحكومة، أو التى تشرف عليها بشكل غير مباشر، بمعنى العدالة فى تقديم الخدمات، وتوافرها، وتوزيعها، وسهولة الوصول إليها، وكفاءة الخدمة المقدمة. وكل ذلك يرتبط بأمور مثل الصحة والتأمين الصحى ووضع المستشفيات وأطقم التمريض، والتعليم بما يشمل المنهج والمدرس والمبنى والتكلفة الفعلية للتعليم ومحاربة أوجه الفساد فيه والتربح منه، والبناء، والنقل والمواصلات، والطرق، والخدمات الزراعية وعلى رأسها توافر الأسمدة بسعر مناسب وتحديد أسعار عادلة للحاصلات الزراعية الرئيسية وهى القطن والذرة والقصب والقمح، وتراخيص المشروعات، والجمارك، والضرائب، والأحوال المدنية والشخصية، والبت فى الدعاوى القضائية فى وقت ملائم، ومنع الحبس فى قضايا الرأى، وتنفيذ الأحكام، وسن القوانين التى يحتاج إليها المواطن، والدعم الحكومى للفئات محدودة الدخل خاصة الخبز، وأسعار كافة موارد الطاقة بما يناسب متوسط الدخل.. إلخ.
أوضاع كل ما سبق هو بلا شك الحاكم الفعلى فى قياس درجة الرضا، خاصة بالنسبة للفئات محددة ومتوسطة الدخل، باعتبارها الفئات الغالبة، والأكثر احتياجا لرفع الأعياء المالية عنها. وكل ما تقدم ما زالت مصر تحتاج إلى قفزات كثيرة حتى يستطيع المواطن أن يكون راضيًا عن حياته اليومية.
ومما لا شك فيه، أن قياس درجة رضا المواطن المصرى منذ عقد أو أكثر من الزمن ارتفعت فى الوقت الراهن عما سبق، حيث كانت الأوضاع من حوله تتسم بالعشوائية والاحتكار وانعدام النزاهة. لكن ما زال الطريق اليوم طويلا أمام الوصول لحالة السعادة وهى لا شك أمور يرتبط السعى لها بعدة أمور، على رأسها قناعة المواطن بحالة والرضاء بما قسم له، إذ إن كثيرا من القانعين من الطبقتين الدنيا والمتوسطة هم أكثر سعادة من المهرولين والراكضين وراء المال من المنتمين للطبقات العليا. ولا يعنى هذا بحال السكينة والاستسلام خلف أوضاع قد تعتبر غير آدمية أحيانا، إذ إنه طالما كان هناك تطور تقنى ومعلوماتى وعولمى، كان العالم يركض خلف معدلات أكبر فى التنمية البشرية، والتى ترتبط عامة برفع مؤشرات ومعدلات السعادة.