فى سياق الجدل حول ملابسات وفاة الإعلامى الشهير وائل الإبراشى، والتى صارت رهن التحقيقات، ولا يصح الحديث عنها، أروى واقعتين، كنت شاهد عيان عليهما، وأحيانا طرفا فيهما.
منذ عدة سنوات عانى قريب لى من تدهور مفاجئ فى قدرته على المشى. وبعد فحوصات، وأشعة وتحاليل، تبين أن الأمر يرتبط فى الأساس بإصابة فى فقرات الظهر، ويستدعى عملية جراحية، نُصح بعدم إجرائها نظرا لكبر سن المريض، فضلا عن معاناته من أمراض أخرى مثل القلب والضغط. هكذا انتهى رأى الأطباء. فوجئت به بعد شهور يقول لى إنه تعرف على طبيب يمتلك عيادة فى منطقة راقية، ويعالج الناس بأساليب حديثة، تجمع بين الدواء والعلاج الطبيعى، ولأن المريض مثل الغريق يتعلق بقشة، فقد سار الرجل فى ركابه. أول ما فعله الطبيب الذى يطلق عليه «البروفيسور» هو الحصول على مبلغ «الكورس» مقدما، وهو مرتفع بالمناسبة، ثم طلب من المريض أن يوقف كل الأدوية التى يتناولها، بما فى ذلك أدوية القلب والضغط، ثم أعطاه أدوية، ليس لها اسم، أو شركة إنتاج، أو بلد منشأ، وقال له إنها مُصنعة خصيصا لمرضاه، وعندما اطلعت بنفسى على الروشتة التى حررها للمريض لم أجد فيها أثرا لمؤهل علمى حصل عليه، كل ما هنالك توصيف له بالبروفيسور العضو فى عدد من الجمعيات الطبية الأوروبية والأمريكية، وهو ما يصعب التأكد من صحته. المهم أن المريض بعد أن أمضى أياما فى الكورس العلاجى، تدهورت صحته، وقال له طبيب القلب المعالج أن ما حدث جريمة، وما كان يجب أن يوقف أدوية القلب والضغط، وعندما عرض عليه الأدوية التى وصفها له «البروفيسور» أكد أنه لم يرَ مثيلا لها من قبل، ولا يعرف مكوناتها. عاد المريض إلى علاجه المعتاد، وبعد فترة تدهورت حالته، وأمضى سنوات فى رحلة العلاج ما بين المستشفى والمنزل إلى أن لقى ربه.
منذ عدة أشهر استلزم الأمر إجراء عملية جراحية فى القدم لمريضة سكر، قريبة لى أيضا، ذهبت إلى مركز متخصص فى مستشفى كبير، هناك قابلت طبيبا معروفا والذى أحالها إلى طبيب جراح فى نفس المركز المتخصص، وأكد لها أنه لابد من إجراء عملية جراحية فى مفصل القدم. والتشخيص صحيح بالمناسبة. وقبل إجراء العملية بأيام قال لها الطبيب الجراح إنه يفضل إجراء العملية فى مستشفى آخر، بدعوى أن بها تجهيزات أفضل رغم أن المستشفى الأول أكبر، وله اسم رنان، والمستشفى الذى اختاره عبارة عن بضعة أدوار فى مبنى فى حى شعبى. تسلل الشك إلى أسرة المريضة، السيدة المسنة، فاتجهوا للسؤال والتحرى، وعادوا إلى الطبيب الشهير الذى سبق أن أحالهم إلى الجراح المتخصص، فعلموا أن خلافا دب بينهما لأن الأخير أراد أن يجرى العملية الجراحية خارج المستشفى مخالفا بذلك الاتفاق المادى بينهما، ليس هذا فحسب، بل علموا أن الطبيب الجراح هو المسئول عن المستشفى الصغير الآخر. اللافت أنه فى سياق رحلة البحث التى قادتها أسرة المريضة اكتشفوا أن الطبيب الجراح، الذى وصف بالمتخصص فى هذا النوع من العمليات، تخصصه الطبى فى مجال آخر، وسوف يأتى بطبيب غيره لإجراء العملية.
ما ذكرته لا يقلل من احترامنا وتقديرنا للأطباء، لأن منهم شخصيات متميزة علما وخلقا، وسبق أن كتبنا تحية لهم فى تضحياتهم فى مواجهة وباء كورونا، أو من خلال الرسالة الإنسانية التى يحملونها، مثل الراحل الجميل طبيب الفقراء. وتقديرا لهم، واحتراما لمهنة الطب الراقية ندعوهم إلى الجدية فى محاسبة من يسىء إلى المهنة سواء فى أخطاء طبية، أو تشخيص خطأ، أو إجراء عمليات جراحية غير مطلوبة رغم العلم بذلك، والتعامل التجارى البحت مع المرضى، أو انتحال صفة طبيب، ولا يصح أن يغلب الشعور «القبلى» على جماعة الأطباء فى الدفاع عن أنفسهم، لأن فى كل مهنة هناك من يصيب وهناك من يخطأ، ولا يعيب الأطباء أن يكون بينهم مخطئون،لكن القاعدة الاهم دائما هي ان المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته.