نشرت مدونة worldbank مقالا للكاتبينFRANCISCO CARNEIRO وWILFRIED A. KOUAME تناولا فيه أسباب تراكم الديون فى دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وطرق الخروج من هذا المأزق.. نعرض منه ما يلى:
أكدت التوقعات الاقتصادية للبنك الدولى فى يونيو 2019 أن التراكم غير المستدام للديون العامة أصبح يشكل قلقا فى السنوات الماضية. فخلال الفترة من 2010 ــ 2018، ارتفع متوسط الدين العام بمقدار النصف من 40 إلى 59٪ من إجمالى الناتج المحلى. حيث ساهمت البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى فى زيادة نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى، باستثناء 9 دول انخفضت فيها نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الدين العام كنسبة مئوية من إجمالى الناتج المحلى قد تضاعف على الأقل فى أكثر من ربع البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، ومن بينها أنجولا والكاميرون وغينيا الاستوائية ونيجيريا. لكن هناك تباينا حيث شهدت بعض البلدان زيادة أسرع من غيرها. حيث تضاعف متوسط نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى فى بلدان وسط إفريقيا (أنغولا، بوروندى، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكاميرون، جمهورية الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الجابون، غينيا الاستوائية، نيجيريا، وسان تومى وبرينسيب) من 26,7 فى عام 2010 إلى 53,4 فى عام 2018، فى حين زاد بنسبة 40 ٪ فى بلدان الجنوب الإفريقى (بوتسوانا، جزر القمر، إريتريا، مملكة إسواتينى، إثيوبيا، ليسوتو، مدغشقر، موريشيوس، موزامبيق، ناميبيا، سيشل، جنوب إفريقيا، جنوب السودان، السودان) خلال نفس الفترة.
البلدان المصدرة للنفط والبلدان الفقيرة المثقلة بالديون وراء تراكم الدين العام فى دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ففى البلدان الفقيرة المثقلة بالديون زاد الدين العام كنسبة مئوية من إجمالى الناتج المحلى بنسبة 50٪ على الأقل بعد 10 سنوات، وذلك بعد أن استفادت هذه البلدان من تخفيف عبء الديون بموجب مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. وقد صممت هذه المبادرة لضمان عدم إغراق أفقر البلدان فى العالم بأعباء الديون التى لا يمكن التحكم فيها ولا يمكن تحملها. وبالمثل، نلاحظ التراكم السريع للديون العامة فى البلدان المصدرة للنفط مثل أنغولا والكاميرون وتشاد وغابون وغينيا الاستوائية. ففى هذه البلدان، تضاعفت نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى بأكثر من الضعف فى عام 2018 مقارنة بمستواها فى عام 2010 مع اتساع العجز المالى بعد نهاية طفرة أسعار السلع الأساسية فى عام 2014. كما أن التراكم السريع للدين العام فى سياق انخفاض أسعار النفط بعد عام 2013 يثير الأسئلة المتكررة المتمثلة فى ضرورة توافر المرونة والتنوع الاقتصادى لاقتصادات هذه الدول.
وبشكل أساسى، فإن الأسباب وراء التراكم السريع للدين العام فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يمكن إجمالها فيما يلي؛ الأنظمة الضعيفة لإدارة الديون، والإدارة المالية الكلية الضعيفة أيضا، بالإضافة إلى قضايا شفافية الديون، والاعتماد الكبير على مصادر التمويل الأكثر تكلفة وخطورة، والصدمات السلبية العكسية. واعتبارًا من 31 أغسطس 2019، كانت 18 دولة منخفضة الدخل فى المنطقة تعانى من ضائقة ومخاطر عالية بسبب الديون وفقا للإطار المشترك للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى بشأن استدامة القدرة على تحمّل أعباء الدين. وهناك أيضا تحول فى تكوين الدين العام، مما يسلط الضوء على مواطن ضعف جديدة. فعلى وجه الخصوص، زادت حصة الديون المقومة بالعملات الأجنبية بنسبة 12 نقطة مئوية منذ عام 2013 وتُمثل فى عام 2018 36٪ من إجمالى الناتج المحلى. وهذا يُعرض بعض دول منطقة جنوب الصحراء الكبرى لخطر التوقف المفاجئ لتدفقات رأس المال التى لوحظت فى اقتصادات الأسواق الناشئة.
الجهود المالية المطلوبة للحد من زيادة الديون
فى التحديثات الاقتصادية الأخيرة لجمهورية إفريقيا الوسطى، قُدمت الجهود المالية اللازمة للحفاظ على النسبة الحالية للديون إلى إجمالى الناتج المحلى ثابتة وفى النهاية تم تخفيضها باستخدام إطار (Vegh et al 2018). ووجدنا أن غالبية البلدان الإفريقية فى جنوب الصحراء الكبرى تحتاج إلى جهود مالية كبيرة للحفاظ على نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى ثابتة. حيث ستحتاج 29 دولة من أصل 47 دولة من البلدان الإفريقية فى جنوب الصحراء الكبرى إلى توليد فوائض أولية للحفاظ على معدل الدين الحالى إلى الناتج المحلى الإجمالى ثابتًا فى عام 2018 وما بعد ذلك سيكون الاعتماد على الظروف الاقتصادية الحالية. الجهد المالى المطلوب كبير ومهم ويمثل حوالى 2 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى بالنسبة لغالبية الدول الإفريقية فى جنوب الصحراء. ويبلغ متوسط الفائض الأولى اللازم للحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى ثابتة حوالى 3٪ من الناتج المحلى الإجمالى. أما بلدان مثل أنغولا وبوروندى وكينيا وجمهورية الكونغو، فإن الجهد المالى المطلوب فيه أعلى من المستوى المتوسط فى الدول الإفريقية فى جنوب الصحراء.
ماذا أيضا؟
بجانب الجهود المالية، يجب على البلاد الإفريقية فى جنوب الصحراء الكبرى وغيرها من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أن تكرس جهودها للحفاظ على ديونها العامة من خلال تحسين جودة شفافية الديون وإدارتها، حيث كانت النتيجة الإجمالية لمؤشرات سياسة ديون البنك الدولى لتقييم السياسات والمؤسسات (CPIA) فى دول إفريقيا جنوب الصحراء آخذة فى الانخفاض منذ عام 2014 مما يوضح تدهور نظام إدارة الديون فى هذه الدول. كما أن حالات الديون المستترة الأخيرة تشير إلى انخفاض القدرة على الإبلاغ عن الديون، وضعف الإطار القانونى ومراقبة الدين العام فى البلدان الإفريقية ما يؤثر بدوره على مصداقية الحكومة وسياسة تقييم المخاطر بجانب تسعير الديون السيادية.
يمكن للإدارة القوية أن تحسن من جودة شفافية الديون، وتقلل من الالتزامات الطارئة إلى أدنى حد، وتخفف من المخاطر الناشئة عن التراكم السريع للديون، وتعزز الاستقرار الكلى للاقتصاد. كما أن إنشاء إدارة سليمة للديون العامة فى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء سيساعد الحكومات على الاقتراض متى احتاجت إلى ذلك، وبطريقة مستدامة، ودمج الاحتياجات المالية فى تحقيق أهداف طويلة الأجل للاقتصاد الكلى والتنمية.
المكاسب لا تأتى بدون ألم
فوفقا لما هو موثق فى تقاريرنا الأخيرة، يمكن أن تحقق دول إفريقيا جنوب الصحراء مستوى دين يتوافق مع درجة الاستثمار على المدى الطويل. فى هذه الحالة، سيكون الجهد المالى المطلوب فى المدى القصير أكثر ألما، لكن مثل هذا الجهد سيضمن تحقيق مكاسب مستدامة على المدى الطويل.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى