ما يحدث فى العالم الآن يدعو بالفعل للقلق على مصير العالم: للمرة الأولى فى تاريخ كندا يستخدم رئيس وزرائها حقه فى إعلان حالة الطوارئ فى البلاد لمواجهة احتجاجات سائقى الشاحنات والتى أطلقوا عليها «قافلة الحرية» والتى بدأت رفضا لقرار إلزام سائقى الشاحنات منذ منتصف يناير الماضى بالتطعيم ضد كوفيد ـ ١٩ لعبور الحدود بين كندا والولايات المتحدة. لكن تلك الحركة سرعان ما تحولت إلى حركة ضد الإجراءات الاحترازية عامة بل وضد حكومة ترودو فزحفت الشاحنات إلى العاصمة «أتاوا» لتطوق البرلمان الكندى وتغلق طرقات المدينة الهادئة الصغيرة مطلقين أبواقهم بشكل مستمر فى إعلان عن عزمهم الاستمرار فى الاحتجاج حتى تستجيب الحكومة لهم أو تستقيل.
تصاعدت الأحداث حينما حاولت حكومة أتاوا فتح الحدود بينها والولايات المتحدة بالقوة مهددة باستخدام قوانين الحرب الأمر الذى معه تصاعدت ألسنة النار فى عاصمة الجليد فى العالم وبدأت اعتقالات رءوس الفتنة.
الاحتجاج على استمرار الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا حتى الآن ورفض إلزامية التطعيم سرى فى كندا كالنار فى الهشيم الأمر الذى معه يواجه ترودو أول أزمة حقيقية قد تطيح به رغم سياسته التى طالما أيدها الشعب الكندى.
احتجاجات الكنديين لم تكن الأولى من نوعها ومن الواضح أنها لن تكون الأخيرة: ففى نيوزلندا بدأت المظاهرات تجتاح الشوارع بينما سخط البريطانيون على سلوك بوريس جونسون الذى دفعه لخرق كل قواعد الوقاية التى تبنتها حكومته وفرضتها على المواطنين ينذر بسحب الثقة، فى ذات الوقت بدأ رئيس الوزراء فى إعادة ترتيب أوراقه التى وعد بعرضها فى نهاية فبراير «للتعايش مع الكورونا» وفقا لتعبيره.
أما الولايات المتحدة فقد اختارت أن تجهض محاولات المقاومة قبل أن تنتشر بين ولاياتها فأعلنت إدارتها على لسان عراب الأزمة د. فاوتش كبير خبراء الأمراض المعدية ومستشار البيت الأبيض أن البلاد تخرج من مرحلة الوباء على نطاق واسع وأن التطعيم قد بدا بالفعل مؤثرا الأمر الذى يجعل إلغاء كل الإجراءات الاحترازية حتى الكمامة أمرا واردا فى الأشهر القادمة.
تتوالى احتجاجات الإنسان فى كل مكان الآن ضد سياسة الحكومات التى تلزم مواطنيها بالاستمرار فى الالتزام بالإجراءات الاحترازية رغم أن الوضع الوبائى العالمى ما زال ينذر بالخطر فقد ذكرت الصحة العالمية أنها سجلت نصف مليون وفاة منذ اكتشاف متحور أوميكرون. لا أحد يمكنه إنكار هذا التراجع الذى شمل كل مناحى حياة الإنسان منذ بدء تلك الجائحة التى طالت الأرض بكامل مساحتها.
لم يقف الأمر عند الاقتصاد الذى عم ركوده على الدول الكبرى قبل الصغرى بل تأثرت وتعطلت الخدمات الصحية الأساسية كبرامج التطعيم وعلاج أمراض بالغة الأهمية كالإيدز الأمر الذى نبهت إليه منظمة الصحة العالمية.
أما تقرير اليونسكو الذى صدر عنه ليؤكد أنه منذ عام ٢٠٢٠ والعالم فى أزمة إبداع بعد فقد ١٠ ملايين وظيفة فى الصناعات الإبداعية فى العالم. وأن عدوى كوفيد ــ ١٩ قد أدت إلى أزمة غير مسبوقة فى القطاع الثقافى حيث تسببت فى إغلاق المتاحف والمسارح وقاعات الموسيقى.
أيهما أصدق حدسا فى تلك القضية التى يعانيها العالم بأسره؟ الإنسان الذى خرج إلى الشارع محتجا على إلزامه بما تفرضه الحكومات من إجراءات احترازية وضرورة «تناول لقاح ثارت بشأنه شكوك كثيرة وجنت من تصنيعه وتوزيعه دول ومؤسسات وشركات ثروات طائلة دونما حساب أم الحكومات التى ربما لم تنجح فى تأكيد مصداقية سعيها لمواجهة الجائحة؟
التاريخ قادر على إجابة السؤال الصعب دون العلم أو السياسة فالخلط بينهما هو منشأ تلك المعضلة التى تضع الجنس البشرى الآن على شفا حفرة من نار.