حادث مستشفى السلط بمحافظة البلقاء بالمملكة الأردنية والناجم عن نقص الأكسجين ما أسفر عن وفاة 9 أشخاص، والذى وقع يوم 13 مارس الحالى، أدى إلى هزة كبرى فى المنظومة الصحية فى الأردن، والتى توصف عادة بأنها واحدة من أرقى المنظومات الطبية فى الوطن العربى.
فالأردن ينفق نحو 7% من الناتج المحلى الإجمالى على الصحة، وهو معدل كبير، يناهز ثلاثة أضعاف ما ورد فى المادة 21 من الدستور المصرى الذى قرر بأن موازنة الصحة «لا تقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية»، من هنا كان حادث مستشفى السلط ليلقى بالعبء الكبير على مصدر دخل كبير للأردن.
حادث السلط ربما يذكرنا بحادثى مستشفى الحسينية بالشرقية فى 3 يناير الماضى وقبله بساعات حادث مستشفى زفتى العام بالغربية. فهل يمكن للمرء أن يقارن بين الحادث الأردنى والحادثتين المصريتين من حيث المعالجة.
حادث مستشفى الحسينية العام تسبب فى وفاة 4 أشخاص، وحادث مستشفى زفتى العام تسبب فى وفاة شخصين. سبب الحادثين وقت الإعلان عنهما هو انقطاع الأكسجين عن مرضى كوفيد 19. وبذلك يبدو أن الحادثين يتشابها مع حادث السلط فى أنه عبارة عن انقطاع أكسجين أدى لوفاة المرضى.
فى السلط انقلبت الدنيا داخل الأردن، ذهب الملك إلى المستشفى، وأمر وزير الصحة نذير عبيدات بالاستقالة، وأعلن بشر الخصاونة رئيس الوزراء تحمل المسئولية الأخلاقية السياسية عن الحادث، وأجرت نيابة السلط تحقيقات واسعة بعد أن أوقفت 5 مسئولين عن العمل منهم مدير مستشفى، وعقد مجلس النواب جلسة طارئة لمناقشة الأمر ومحاسبة الحكومة التى تشرف على هذا المستشفى إشرافًا كاملا باعتباره مستشفى عاما.
فى مصر لم يخرج حتى رئيس الوزراء بأى تعليق على حادثى الحسينية وزفتى، وذلك رغم ما أعلن عن متابعته للحادثين مع وزيرة الصحة هالة زايد. مسئولو مستشفى الحسينية ومستشفى زفتى بقوا فى مواقعهم الوظيفية، ومن باب أولى بقت وزيرة الصحة ومحافظا الشرقية والغربية فى منصبهما. الاتهامات كيلت فى الحادثين المصريين لمن تعقَّب الحادث، بدعوى أنه ضخمه وأثار الفتنة والشائعات، فعوقب مسئول الأمن فى مستشفى الحسينية لأنه قصَّر فى مهامه بدخول من صور الواقعة ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، كما تردد كلام نفى فيما بعد أن الممرضة آية التى كانت تولول وتنتحب على المرضى وهم يموتون أمامها على مواقع التواصل الاجتماعى قد عوقبت، لكن الثابت أنها أخذت للإدلاء بأقوالها. الأغرب ما ذكره الأطباء فى مستشفى الحسينية، وهو أن أهالى المتوفين شكروهم على جهدهم. وقبل كل ما سبق تم نفى انقطاع الأكسجين عن المرضى، وأن موضوع الوفاة تم كأمر طبيعى بسبب وطأة المرض وكبر سن الضحايا. وشكلت اللجان لمتابعة الحادث، وما أفظع تشكيل اللجان كوسيلة روتينية لنسيان النواكب.
ورغم التعليق الرسمى على الحادثين بأنهما وقعا بسبب الحالة المرضية الحرجة للمتوفين، وبسبب كبر السن لجميع المتوفين، لم يفسر لنا أحد كيف يكون ذلك سببًا لحادث تم فى وقت واحد وفى نفس الحجرة وفى ذات اللحظة. غريب أن يموت هذا العدد فى نفس الدقيقة، وتعزى الوفاة للجميع لكبر السن، ويطلب من الناس أن يصدقوا تلك الرواية.
كل المشاهدات تشى بوجود معالجة رقابية ومحاسبية مختلفة تماما، ما يجعل تكرار النواكب أمر وارد فى مواقع كثيرة، كحوادث القطارات، وحرائق المنشآت العامة، وانهيار المبانى أو خلافه. المتهم عندنا عادة ليس العنصر البشرى، فهو خيال أو سراب لا يمكن الإمساك به، أو القضاء والقدر، أو الصدف الغريبة، وعلى أقصى تقدير هو الموظف البسيط أو الكمسارى أو السائق أو عمال البناء... إلخ.
لكل ما سبق فإن الحاجة إلى تفعيل الأطر المحاسبية والرقابية الناتج عن إعمال أجهزة الرقابة لواجباتها أمر مهم لتقدم الشعوب والأمم، ودون ذلك سيكون الخراب أو النوازل تتوالى دون رقيب أو حسيب. قديمًا قالوا من أمن العقاب أساء الأدب. وهنا من أمن العقاب تسبب فى خسائر فى الأرواح وخسائر مادية مكلفة. سمعة البلاد مهمة فى تتبع المتسبب فى النواكب، وكما رأينا فى الأردن التى تعتبر واحدة من أهم بلدان المنطقة فى السياحة العلاجية، قد خشت على سمعة البلاد الصحية، التى تراكمت فى العقدين الأخيرين، فجلبت دخلا كبيرًا للبلاد، كان فى الماضى يذهب لدولة كمصر.