البحث عن الرصيف! - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن الرصيف!

نشر فى : الثلاثاء 18 أبريل 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أبريل 2023 - 7:55 م
من بين الذين أتابع صفحاتهم على فيس بوك صفحة لصديق عزيزهو خالد عبدالرحمن وأظن أننا لم نلتقِ أبدا إلا فى الواقع الافتراضى، وأجمل ما فى صفحته أنه يستعرض يوميا عشرات الصور التى تظهر مدن مصر فى الماضى وهناك مئات الصفحات التى تلعب على هذا الحنين وتمجده بصورة تجعلنا نأسف على ما آلت إليه أوضاعنا.
صور تم جمعها من أرشيفات متعددة، لكنها تقول أشياء كثيرة عن جمال افتقدته القاهرة المعاصرة.
لا يختلف اثنان على أن الكثير من مدننا عانت من تدهور بالغ خلال الخمسين عاما الأخيرة بفضل تراجع مستوى الكثير من الخدمات التى كانت تقدمها البلديات والهيئات التى يفترض أن مهمتها الوحيدة هى التجميل والنظافة.
اضف إلى ذلك الفساد الذى غمر المحليات وحال دون صيانة المبانى وسمح بالتجاوزات التى أوجدت أنماطا مختلفة من البناء العشوائى أفقدت غالبية مدننا ما كانت تتمتع به من جمال أو ما كانت تمتلكه من هوية بصرية متجانسة.
شخصيا لم أعد أحب زيارة ضاحية حلوان التى ولدت وعشت فيها لأن ما بلغته من إهمال أصبح يؤلمنى ألما لا أستطيع مقاومته، فقد تركتها عند نهاية التسعينيات وهى فى وضع أفضل كثيرا مما تعيشه الآن، وآخر ما بلغنى عنها أن قرارا اتخذ لإزالة أكبر حديقة فيها وهى حديقة 6 أكتوبر بغرض إقامة فرع لمحلات كارفور الشهيرة، لك أن تعتبر حلوان التى كانت أحد أجمل بقاع القاهرة مثالا على المصير الذى تعيشه مدننا كلها بلا استثناء.
لا يمكننا بطبيعة الحال أن نحمل الفقر وحده مسئولية ما يحدث، كما لا يمكن الإشارة لدور مشكلة الزيادة السكانية وما أدت إليه من أوضاع انعكست على التخطيط العمرانى إجمالا، لأن هناك الكثير من المدن تقع من بين المدن الأكثر فقرا فى العالم لكنها نجت من المصير ويكفى هنا الإشارة لما عاشته محافظة قنا خلال عهد المحافظ عادل لبيب قبل عشرين عاما حيث أصبحت رغم الفقر واحدة من أكثر محافظات مصر جمالا ونظافة.
كنا فى الماضى القريب نلجأ لبعض الجهات الحكومية لإزالة التعديات وردع المخالفين لكننا الآن لا نجد من نلجأ إليه، فالكثير من التعديات مصدره هيئات رسمية استولت على المساحات العامة وعلى نحو أدى إلى اختفاء الرصيف تماما من الشارع المصرى وما تبقى منه ترك نهبا إما للتكاتك أو للأكشاك التى تنشأ كبؤر سرطانية وقنابل موقوتة لا أحد يعلم موعد انفجارها خاصة أن الكثير منها يعمل بشكل غير شرعى وبلا تراخيص لكنه موجود بقوة الأمر الواقع.
انظر معى إلى ميادين القاهرة سواء فى العتبة أو رمسيس أو السيدة زينب والسيدة عائشة والعباسية وتأمل أى ميدان فيها، ثم اجتهد فى احصاء صور التعدى على الفضاء العام وهى محاولة ستنتهى بك إما إلى الجنون أواليأس التام من أى إصلاح متوقع فى هذا الملف المهمل لسبب غير مفهوم.
لم يعد للرصيف وجود فى أغلب شوارع القاهرة بما فى ذلك الأحياء التى ظن سكانها أن لديهم حصانة طبقية وتاريخية تحول دون تدهور أوضاع شوارعهم.
بإمكان أى مواطن خوض تجربة السير فى شارع 9 بالمعادى أوشارع 26 يوليو بالزمالك أو منطقة الكوربة فى مصر الجديدة وسيجد جميع أشكال التلوث السمعى والبصرى والتعدى ليس فقط على الهوية البصرية وإنما على الذاكرة التاريخية لهذه المناطق التى كانت أجمل ما تبقى من القاهرة التى نافست أجمل مدن العالم.
هناك شهوة عارمة لتدمير ما تبقى من جمال بدلا من الحفاظ عليه وتقديره، شهوة يشارك فيها الجميع وأولهم الحكومة التى تضرب عرض الحائط بالقوانين وإلا كيف نفسر ما يتعرض له حى الزمالك فى ظل الإصرار غير المفهوم على عمل جراج متعدد الطوابق على النيل عند شارع سراى الجزيرة.
ويعلم الجميع أن هذا المشروع واجه رفضا شعبيا من سكان الحى وزواره الذين يحلو لهم التجوال فى شوارعه التى نجت بأعجوبة من حمى الكافيهات وخرج وزراء سابقون منهم السيدان عمرو موسى ومنير فخرى عبدالنور وشخصيات عامة كثيرة لتمثيل السكان لإعلان الرفض الشعبى للمشروع، ليس فقط لأنهم يريدون الحفاظ على خصوصية المكان بل لأن المشروع يتضمن مخالفات واضحة لعدة مواد قانونية سجلها طلب إحاطة تقدمت به الدكتورة سميرة الجزار النائب عن الحزب المصرى الديموقراطى الاجتماعى فأى منشآت على حرم النيل تعد مخالفة لقانون البيئة رقم 4 لعام 1994 المعدل فى عام 2005 فضلا عن قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 بشأن حدود وأسس الحفاظ على جزيرة الزمالك ذات القيمة المتميزة من قبل المجلس الاعلى للتخطيط والتنمية العمرانية.
وهناك عشرات المواد القانونية الأخرى التى تجاهلها المشروع عن عمد كما تم تجاهل آراء عشرات الخبراء المعماريين الذين يصرخون ليل نهار للحفاظ على القاهرة وعلى غيرها من المدن وللأسف لا أحد يستمع لصرخاتهم فالمجد كل المجد للمقاهى والكافيهات التى لم تكتفِ بما فعلته بالإسكندرية وتريد استكمال مهمتها فى القاهرة لتصل إلى نفس المصير.