غسيل المخ وإعادة تدوير البشر - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 1:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غسيل المخ وإعادة تدوير البشر

نشر فى : الخميس 18 مايو 2017 - 10:20 م | آخر تحديث : الخميس 18 مايو 2017 - 10:20 م
خلق الله الملايين من البشر، وجعل الوجه ما يميز بين هذه الملايين بحيث لم تختلط ولم يتكرر فيها أحد، وكل إنسان له شىء مميز مثل الأصوات اختلاف البصمات؛ فهناك يكمن التفرد لدرجة أن ينفرد كل إنسان ببصمة خاصة مختلفة وإن كانوا توأمين.
فحياتك أنت كما تكون أنت وكما تحب، فلا أحد يجبرك على أى شىء، فأنت المسئول عن أى ضغط جسدى أو اضطراب نفسانى تجلبه لنفسك.
ولكن ما يستطيعون أن يفعلوه لك وبدون إرادتك، السموم الفكرية والمتكررة فترى نفسك تتبع القطيع باتجاه ما، دون أن تدرك ذلك، غسيل الدماغ أو المخ هو الأسلوب فى الاستقطاب وهو أسلوب قديم استخدمه المصريون القدماء وتم تطويره عبر التاريخ، ومن أشهر من استخدمه هم الصينيون الشيوعيون فى عام 1950م، عندما كان الصينيون يطبقون برنامج الإصلاح الفكرى الشيوعى الصينى، وأول من استخدم كلمة (غسيل مخ) الصحفى الأمريكى إدوارد هنتر فى ترجمته للكلمة (هسى تاو) وهى التعبير عن النظرية الصينية (إصلاح الفكر) أو (إعادة التشكيل الأيدلوجى) وهذه الكلمة معناها (قتل العقل) وذلك لأن العملية توجد خضوعًا لا إراديًا وتجعل الناس تحت سلطان نظام لا تفكيرى وتكون فى غمرة الرق الآلى لا حيلة لهم ولا قدرة، وإلى الآن ومن مراحل التاريخ كل أمة من الأمم استخدمته لتحقيق أهداف معينة، كالتى نشهدها اليوم من عمليات لغسل المخ، استهدفت الشباب وحشدت عددًا منهم أخيرًا لتنفيذ جمل من العمليات الإرهابية التى تستهدف دور العبادة، الأبرياء، وهدفها تمزيق نسيج المجتمع الواحد.
من المتعارف عليه دائمًا أن نظرية غسيل الدماغ وأول ما يخطر ببالنا يكون فى السجون أى سجناء الحرب من خلال المعلومات الضالة والإشاعات والأكاذيب بالإضافة إلى أنواع التعذيب المختلفة، التى كانوا يتلقونها خلال الحرب العالمية الثانية، سلب إرادتهم، من خلال التعذيب، التجويع، وأحيانًا القتل المفاجئ أمام السجناء الآخرين، تعريضهم إلى حرارة قصوى أو البرودة القصوى ورفع درجة التوتر، أو منع الأدوية العلاجية التى يحتاجها السجين.
مع عصرنا هذا غسيل المخ يختلف اختلافًا كبيرًا، ما هو إلا إثارة العواطف لتشتيت القناعات والاتجاهات ومن ثم مسحها وإعادة تشكيلها، ويكونان عنصرين الهدف والمحرض الذى يختار الشباب من سن 15 إلى 25 لغسل أدمغتهم، إما يكونون مهمشين اجتماعيا، فقراء، قليلى التعلم ومن لديهم تاريخ عدائى أو لديهم مظالم لدى الدولة الطامحين المتميزين وممن لم تخدمهم الظروف للظهور وبهم حقد، وحسد، وغضب، ويأس، والرغبة فى الانتقام.
كيف نستشعر بهم، هل لديهم علامات مميزة؟ من خططهم المعروفة لديهم وسائل فى البداية للسيطرة على العقل وسلبه؛ ابتسامة مصافحة وترحيب كبيرين، ثم ترسل للضحية (مسج) أنت شخص مهم عندى، وبعد المصافحة التربيت على كتف الضحية يكون ضعيفًا وفاقدًا لكل شىء من الأسرة من عطف وحنان، ويتم إكرامه ومساعدته فى أى وقت، والفزعة له لتسديد ديونه، من باب الصداقة، الضحية يراه دائمًا شخصية رائعة يكون معجبًا بها، ولا يرضى لأى أحد أن يتفوه عنه بكلمة واحدة حتى لو قدمت له الأدلة الدامغة، بل ترى الضحية يدافع بالدفاع المستميت عن تلك الشخصية وإن كانت هذه الشخصية تمثل الشيطان نفسه، وهكذا يتم استدراج الصغار والكبار والشباب فى المدارس سواء كانوا تجار دين، ثم تبدأ الشخصية بدءًا بتغذية عقولهم بأمور غير صحيحة أو مبالغ فيها من خلال الدين، والعاطفة.
الضحايا هنا ليسوا سجناء حرب بل سجناء التربية القاسية التى تلقوها من أسرهم والبيئة الاجتماعية التى عاش بها الضحية من كبت وحرمان وفقدان العاطفة حينما يقول له تاجر الدين (أحبك فى الله) فقد أسر عقله وقلبه، فهذه الكلمة ليست من ضمن قاموس حياته وجدها من الغريب الذى فى نظره أحن عليه من القريب.
قد تكون تجربة الطائفة والتى قام العديد من الباحثين والأطباء النفسيين بدراسة الحالات التى ترافقت مع استحواذ طائفة دينية أو عقائدية معينة على شخص ما، حين تقوم بعض الجماعات ذات الأيدولوجيات المتطرفة بتحويل شخص إلى ما يشبه الرجل الآلى، حيث تقوم ببرمجة الشخص على البرامج المنهجية للتأثير على الشخص المستهدف أو لتحقيق الأهداف ومنها (تغيير الهوية، القيم، والأفكار والمعتقدات والاتجاهات المستقرة لأبناء دولة أو مجتمع ما يريدون السيطرة عليه).
دائمًا المستهدف هو الشاب الذكى دون الأهداف المفضلة لديهم من شرائح المجتمع التى يعانى شبابها من فقدان التواصل الحميمى والإنسانى، والضعف فى التعبير عن المشاعر، وممن يتعمدون لوم الآخرين على أخطائهم.
نعم نحن نعترف بأننا كبشر نحتوى على نقاط ضعف كثيرة لجذب من يحاول استغلالنا نفسيًا وماديًا وجسديًا لتحقيق أهداف معينة، وهذا شىء لا يدعو للخوف بل بالعكس يدعونا إلى احترام هذا الدماغ الذى نمتلكه ومحاولة تقوية دفاعاته برفع المستوى العلمى والثقافى وتقبل النقد والتطوير، والأهم من ذلك عدم الانقياد والتعصب لأى فكرة، فنحن نحتاج إلى الإعلام لتقديم برامج تكثيفية للتوعية بالتعاون مع وزارة التربية بعمل ورش تدريبية للمدراس لدعم الثقة وفن الحوار وتعزيز الولاء للدفاع عن وطنهم، حفظ الله البحرين بحكامها وشعبها من كل مكروه.

الأيام ــ البحرين
نوال الدوسرى

 

التعليقات