كيف نستعيد التماسك للأسرة؟ - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:22 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نستعيد التماسك للأسرة؟

نشر فى : الخميس 18 مايو 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : الخميس 18 مايو 2023 - 7:40 م

فى الأسبوع الماضى استعرضنا بعض مظاهر وربما أسباب تفكك الأسرة، وأشرنا إلى أنواع محددة من عمل المرأة، والظروف الوقتية المرتبطة بذلك العمل، وكذلك خروج الأب من المنزل للعمل خارج البلاد لفترات طويلة دون متابعة.
اليوم نشير إلى أحد مظاهر عدم التماسك، وهو نمط التعليم الذى أصبح مجرد وسيلة للحصول على شهادة للزواج أو الوجاهة. ما جعل المتعلم والمعلم والإدارة القائمة على كل ذلك تسعى إلى إخراج أجيال من أنصاف المتعلمين، أجيال مجرد شهادات ورقية، يسقط من يحمل الكثير منها فى دياجير الشارع الملىء بالدروس والعبر. فمن خلال المناهج غير المعبرة عن الهوية والقيم النبيلة، ومن خلال معلم أو أستاذ جامعى سعى بعضهم للبحث عن المكانة المادية فحسب، ومن خلال مبانٍ متهالكة لمؤسسات تعليمية لأبناء الطبقتين المتوسطة والدنيا أو حتى المبانى الفندقية لذوات الطبقة الراقية أو لأبناء العاملين بالخليج النفطى، ومن خلال إدارات تعليمية تمريرية للطلاب، (من خلال كل ذلك) نشأ جيل يعوز الكثير منه قيم الخبرة والمهارة وإنكار الذات، وذلك لصالح النفعية والوصولية والنفاق والجهل الوظيفى، ناهيك عن سوء التعامل البينى بين أفراد الأسرة، بسبب القيم التى تغرسها الدولة والمرتبطة بالاستهلاك والأفلام الهابطة التى يجد الكثير من الشباب فى أبطالها القدوة للمحاكاة فى التعامل العنيف وأسلوب الحديث الجاهل لأبسط وأخف قواعد اللغة العربية، والمأكل والمشرب السريع «والتيك أوى والدليفرى»، وكل ما سبق هو نتيجة لعدم متابعة العائل أو عدم وجود الأم التى تقود الجلسات الجماعية بالمنزل (سفرة المأكل). يضاف لكل ذلك تفكك وتغريب الجينز الممزق أو الساقط أو المحبوك أو الشفاف، ناهيك عن قزعة شعر الرأس، وسماع الأغانى فاقدة الصوت والكلمات والألحان ما برز فى كليبات شواذ الأصوات والكلمات الناشذة والهابطة.
فى ظل تلك البيئة، تكتمل الصورة بوجود أجيال مطورة من الهواتف النقالة، تحمل فى تطبيقاتها ما هو مغرٍ للنشئ الفاقد للأسرة المتماسكة، والفاقد للتعليم والثقافة التى تحمل قيم الأصالة، تحمل كل ما هو سلبى لهذا الجيل الذى فككته ظروف الأسرة ونوع التعليم. فهذا تطبيق للتصوير دون إذن، وآخر لتسجيل الأصوات للوقيعة بين الناس، وهذا للصق صور وأجساد الناس على وجوه أخرى، وذاك لتبادل السباب، وآخر لشراهة الاستهلاك... إلخ. كل ما سبق ساهم فى جعل معظم أبناء الأسر تنظر إلى شاشات الهواتف أكثر مما تنظر إلى وجوه بعضها، بل إنه فى اللحظة التى يختلس فيها البعض اللحظات للجلوس مع الأبناء، فإن تلك الجلسات لا تخلو من انشغال الجميع بشاشات الهواتف.
والآن يبقى السؤال ما العمل إزاء كل ذلك؟ بداية من المهم الإشارة إلى أن ما ذكر لا يعنى على الإطلاق الدعوة إلى ترك المرأة عملها، أو عزوف الآباء عن أعمالهم والتفرغ الكامل للجلوس مع الأبناء، أو التخلى عن الهواتف النقالة لصالح العودة إلى الهواتف العادية غير الذكية، فهذا كله ليس هو المقصود على الإطلاق.
المقصود هو الوسطية فى التعامل مع تلك الأمور بحيث يتم تجنب كل ما تحمله تلك الآليات من سلبيات، واستغلال ما يعتبر لدى البعض وسائل مسهلة للتفكك للدق على كل ما هو إيجابى بذات الوسائل، وذلك كله بما يحقق التماسك والتلاحم الأسرى، وعودة القيم والثقافة النبيلة التى كانت عليها الأسرة المصرية فى الماضى.
ما من شك أننا افتقدنا الأمهات التى ربت أمهات وآباء اليوم، أمهات البيت الكبير الجامع، الذى يجمع آباء وأبناء وحفدة، بيت قائم على احترام الكبير، والحنو على الصغير، وإسدال النصيحة للصغير، وطلب مشورة وخبرة الكبير. كل ذلك من المؤكد أن عودته بعد انفصال العائلة إلى أسرات ومنازل متعددة، هو من أبرز مهام وسائل التنشئة الاجتماعية من إعلام ومؤسسات دينية، ومؤسسات تعليمية ذات مناهج محفزة لدعم تلك القيم وغيرها.
لقد عاشت الأسر فى الماضى بكل مكوناتها فى ظل عادات وتقاليد تزود بصلة الأرحام عن كل شىء، ما عزز حتى بين العائلات الكبيرة المودة من خلال التزاور والتهانى والمشاركة فى الأفراح والأطراح، وإنكار الأشقاء لذواتهم بعد فقد العائل بتزويج الشقيقات أولا. كل ذلك يمكن له أن يعود من خلال القيم ووسائل نشرها، بدلا من حال الترهل الحالى الذى خلف حالات الانعزال، والتى وصلت لحد استشراء العنف الأسرى، وكثرة حالات الطلاق بين الأزواج، بل واعتبار عديد الفتيات أن غرض الزواج مجرد الإنجاب وليس تأليف واستدامة الأسر. ومما لا شك فيه أن التربية الصالحة للنشئ داخل الأسرة هى اللبنة الأولى لكل ما سبق.

عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات