تبدو صورة مصر فى الجلسات الخاصة لمعظم المثقفين والفنانين إضافة بالقطع إلى غالبية قادة وكوادر القوى السياسية المعارضة والمستقلة، وكأنها سفينة توشك على الغرق.. فريق كبير منهم لا يرى سوى أزمات اقتصادية طاحنة تواجه أغلبية المصريين فى مواجهة أقلية ــ تفتقد إلى الرشد السياسى ولا تقدم أى مشروع ثقافى اجتماعى تنموى ــ ولكنها تمتلك ثروة البلد وتوزعها كيفما تشاء، وتحكم سيطرتها بانتخابات مزورة على المؤسسات الاقتصادية والتشريعية والتنفيذية والشرطة ومعظم وسائل الاعلام..
آخرون يرون أن مشروع التوريث خلال مراحل مده وجزره أصاب البلد بالشلل وأدى إلى تراجع دور مصر الإقليمى ولم تعد القاهرة عاصمة القرارات المؤئرة فى المنطقة كما كانت تفعل طوال تاريخها.. آراء ثالثة تتوقع سيناريوهات ساخنة كفوضى عارمة أو ثورات عنيفة تطيح بالنظام الحالى.
نفس هذه الأفكار يتبناها الدكتور محمد البرادعى، ورغم ذلك فإن المسافة بينه وبين القوى السياسية الشرعية وغير الشرعية تزداد اتساعا، وتبخرت فى الهواء كل الآمال المعلقة على اتفاق أحزاب المعارضة الكبرى والإخوان على اختياره كمرشح رئاسى فى مواجهة مرشح الحكومة.. بعد أن رفض البرادعى الإنصات إلى كل الأصوات التى طالبته بالسعى نحو تأسيس تحالف سياسى عريض يعمل تحت راية واحدة ومطالب سياسية واحدة.
الدكتور البرادعى اختار منهجا مغايرا راهن فيه على قوى الشباب على الفيس بوك للقيام بالتغيير الجذرى الذى يريده، وعلى زيارات ميدانية لبعض الشوارع والميادين فى عدة محافظات والسفر للخارج للالتقاء بالجاليات المصرية وإجراء بعض الأحاديث الصحفية والتليفزيونية.. وهى أدوات لا يمكنها أن تفعل شيئا ملموسا ضد تراث قمعى بالغ القدم للدولة فى مصر.
لا أريد أن أقول إن البرادعى بدأ يشبه «الرجل الذى يفقد بريقه».. ولكنى أؤكد له بمنتهى الثقة أن المنهج الذى يتبعه فى عمله السياسى لن يحقق أى نجاح يذكر، فالبرادعى لم يقدم لنا أى مطالب سياسية جديدة، وكل مطالبه اقترحتها قوى المعارضة المصرية بصيغ مختلفة منذ عشرات السنين، وكانت هذه القوى تحتاج إلى زعيم يقودها وهو يتبنى هذه المطالب وقد ثبت الآن أن البرادعى لا يريد أن يلعب هذا الدور، ولا يبدو فى الأفق أى أمل لإقناعه بتغيير موقفه.
على المعارضة الآن أن تستثمر انتخابات حزب الوفد التى أثبتت أن مؤسساتنا السياسية لاتزال حية وفاعلة، بأن تختار مرشحا واحدا لها.. دون أن تنتظر سفينة البرادعى التى تقلع فى بحار أخرى.