بيت الورود - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 27 يونيو 2024 7:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيت الورود

نشر فى : الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 8:30 ص

ما أقسى حياة المهاجرين غير الشرعيين، وما أبشع الشعور بالخوف من التعقب والتوقيف والترحيل، وما أفظع انتهاء الأمل فى الملاذ الآمن أو فى صون الكرامة الإنسانية أو فى فرص العمل وتأمين قوت الأهل والذات فى مراكز الشرطة وفى معسكرات المهاجرين واللاجئين.

لا تغادرنى هذه الأفكار منذ أن شاهدت يوم السبت الماضى توقيف بعض عناصر شرطة حماية الحدود الألمانية لعشرات المهاجرين غير الشرعيين فى قطار يصل بين إيطاليا والنمسا وألمانيا ويعبر حدود البلدان الثلاثة دون سؤال عن هوية أو تفتيش فى منقولات شخصية أو بحث عن أسباب الانتقال من مكان إلى آخر فى إطار حرية الحركة التى تتيحها الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى لمواطنيها وللمقيمين فيها على نحو شرعى.

فما إن تجاوز القطار القادم من مدينة فيرونا الإيطالية والمتجه إلى مدينة ميونيخ الألمانية الحدود النمساوية ــ الألمانية وتوقف فى مدينة روزنهايم فى ألمانيا (لاسم المدينة معنى جميل هو بيت الورود)، حتى صعدت عناصر من شرطة حماية الحدود الألمانية إلى عربات القطار وبدأت فى مطالبة بعض الركاب من أصحاب البشرة الداكنة إما بمغادرة القطار فورا مع أمتعتهم أو بإظهار بطاقات الهوية وجوازات السفر. والحصيلة كانت عشرات المهاجرين غير الشرعيين من النساء والرجال الذين تم اقتيادهم بعيدا عن القطار، وعندما واصل القطار المسير تاركا محطة بيت الورود كانت عناصر الشرطة الألمانية تسجل أسماءهم وبياناتهم الخاصة بعد أن أجلسوا على رصيف من أرصفة المحطة.

لم تمس الشرطة الألمانية المهاجرين غير الشرعيين جسديا، على أن العنف اللفظى كان مسموعا شأنه شأن نظرات متنوعة من المسافرين «الشرعيين» بين تعاطف وإدانة ــ ودفعت الإدانة أحد المسافرين إلى الإبلاغ عن محاولة اختباء بعض المهاجرين غير الشرعيين عبر التنقل السريع بين عربات القطار، وما إن أوقفتهم عناصر الشرطة الألمانية حتى بحث المسافر «المخبر» عن مشاعر سرور أو ارتياح فى وجوه مسافرين آخرين غير أنه لم يجدها إلا لدى القليل منهم. لم تمسهم الشرطة الألمانية جسديا، إلا أن مذلة الطرد من عربات القطار ومهانة مشاهد الاقتياد والجلوس على رصيف تلاحقهم نظرات الآخرين أنتجتا بكل تأكيد من الألم ما لا يقل لا عن قسوة مغادرة الأوطان والركض وراء ملاذات آمنة فى الخارج الغربى، ولا عن وطأة الشعور بالخوف إزاء خطر الترحيل وإزاء انتهاء الأمل فى البداية الجديدة بعيدا عن الحروب الأهلية التى تدمر أوطان المهاجرين غير الشرعيين، وعن الاستبداد الذى يقضى على فرص الحياة الكريمة وينتهك الحقوق والحريات، وعن الفساد والمحسوبية والبطالة والفقر وانعدام التنمية المستدامة وظواهر التأخر الأخرى التى تفرض على أغلبيات كاسحة بين شباب المجتمعات العربية المخاطرة بأرواحهم بحثا عن الانعتاق من مصائر الظلم والفقر والعوز ــ تحدث العدد الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين الذين أوقفوا فى بيت الورود اللغة العربية، وكان واضحا لى قدومهم من سوريا والعراق والصومال.

هم ورود مجتمعاتنا التى تنزل بهم الحروب الأهلية ومظالم الاستبداد وانتهاكات السلطوية للحقوق وللحريات وفظائع الفقر والفساد والعوز عقاب الذبول والفناء، إن فى بيوتنا المحلية أو فى تلك البيوت البعيدة عنا والقادرة على العناية الفائقة بورودها الأصلية والواردة إليها شرعيا.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات