لبنانُ الفساد و«الدنانير».. وشعبه غير السعيد! - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبنانُ الفساد و«الدنانير».. وشعبه غير السعيد!

نشر فى : السبت 18 سبتمبر 2021 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 18 سبتمبر 2021 - 9:15 م

نشر موقع 180 مقالا للكاتب توفيق شومان ردَّ فيه على من يتهم الشعب اللبنانى بالفساد، فيرى أن هذه المقولة تناقض التاريخ، والنخبة لها دور رئيسى فى إصلاح المجتمعات.. نعرض منه ما يلى.
درجت أقلام ومحابر وحناجر مستشارين، محسوبة على بعض أهل السياسة فى لبنان، على اتهام الشعب اللبنانى بالفساد، وراحت هذه الأصوات تكيل أسباب الانهيارات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية إلى عامة اللبنانيين، باعتبارهم مقيمين على ثقافة الفساد بأشكالها كافة، الأمر الذى أدى إلى وقوعهم فى حفائر حفروها، فوقعوا فى التهلكة العظيمة: فقرًا وعوزًا ومذلة.
هذا النمط من المقولات التبريرية، يناقض كل سنن التاريخ بلا استثناء، ويتعارض بالمطلق مع الفضاءين الدينى والفلسفى، فالأنبياء والفلاسفة، غالبا ما اصطدموا مع أصحاب النفوذ والسطوة والسلطة، ومن خلال الوحى سعى الأنبياء والرسل إلى تغيير المنظومات الحاكمة أو التأثير بها، ومن خلال العقل سلك الفلاسفة المسلك نفسه، فتوجهت فلسفاتهم إلى أهل الحُكم والقرار، وعلى ذلك يتبين أن مهمة تغيير الأنماط الشائعة يكون منطلقها مع الطبقات الفوقية المسيطرة والمتنفذة، وليس عبر مواجهة الطبقات التحتية التى لا تلوى على شيء ولا حول لها ولا قوة، ولذلك جرى اضطهاد الأنبياء والفلاسفة.
من هذه الزاوية يمكن الإطلالة على دور النخبة فى إصلاح المجتمعات وتهذيب الشعوب، وإخراجها من عتمة وظلمة «الأنا» الفاسدة وإدخالها إلى رحابة «النحن» والمجموع، أى المجتمع بشرائعه وقوانينه القائمة على قواعد التعاون بالبر والتقوى والابتعاد عن الإثم والعدوان، وما الإثم والعدوان إلا الفساد ذاته وعينه ونفسه؟
•••
فى الفضاء الدينى يمكن استرجاع واستعادة القصص الحكيمة من خلال الشواهد والمشاهد التالية:
من السيرة المسيحية أولا:
ورد فى إنجيل لوقا عن يوحنا المعمدان (النبى يحيى بن زكريا) قوله لجباة الضرائب «لا تجمعوا من الضرائب أكثر مما فرض لكم»، وقوله للجنود «لا تظلموا أحدا ولا تشوا بأحد، واقنعوا بأجوركم».
وفى إنجيل متى، أن إبليس سعى إلى الإيقاع بالسيد المسيح وأراه ممالك الأرض وأمجادها وقال له «أعطيك هذا كله إن سجدت لى وعبدتنى»، فأجابه السيد بالقول «لا يمكن لأحد أن يعبد ربين»، أى الله والمال، ومجمل قوله الآتى «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لن تقدروا أن تخدموا الله والمال».
وعلى هذا الصراط، فالفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو (1712ــ 1778) صاحب كتاب «العقد الاجتماعي» أحد اكثر الكتب شهرة فى العالم، يقول فى كتابه «مقالات فى العلوم والفنون»: «إن البذخ والشرف لا يجتمعان فى نفس واحدة».
لنقارن بين ما يقوله الدين وما تقوله الفلسفة وما هو واقع حال وأحوال غالبية أهل السياسة فى لبنان.
من السيرة الإسلامية ثانيا:
من الأحاديث المنسوبة إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان قوله «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» مثلما أورد ابن كثير فى «البداية والنهاية» أن الناس تتمثل بسلوك السلطان، ولو مشى على هدى اهتدت به، ولو سار على شر قلدته، فهو نموذج يُحتذى فى الأرض، ناهيك عن خشية الناس من ردع وعقاب، خصوصا عند الذين تخف موازين إيمانهم وضمائرهم، فأولئك لا تردعهم تقوى ولا نهى عن المنكرات، ولكنهم يخشون ويخافون زواجر وعقوبات الحاكمين.
وفى «صحيح البخارى» وكتاب «الطبقات الكبير» لابن سعد و«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبدالبر، أن الخليفة الثانى عمر بن الخطاب قال «اعلموا أنه لا يزالُ الناس مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم». ويورد ابن كثير فى «البداية والنهاية» والدار قطنى فى «فضائل الصحابة» وكذلك الطبرى فى تاريخه، أن جند المسلمين، وبعد هروب كسرى من مدينة المدائن أتوا بمتاعه وتاجه وسيفه وجواهره ومقتنياته وملابسه إلى عمر بن الخطاب فمدحهم بالقول: «إن قوما بعثوا هذا لأمناء»، فقال له الإمام على بن أبى طالب «عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا».
يتضح من كلام الإمام على أن عفاف الجمهور من عفاف القادة، وحين يشذ الجمهور يكون الحاكمون قد سبقوه إلى الشذوذ، ومن هنا قوله أيضا حين سُئل: «كيف تفسد العامة من الناس» فأجاب «إنما هى من فساد الخاصة»، ومن المأثورات المنسوبات إلى النبى محمد قوله: «صنفان من أمتى إذا صلحا صلحت أمتى وإذا فسدا فسدت أمتى قيل: يا رسول الله ومن هم؟ قال: الفقهاء والأمراء» كما جاء فى «بحار الأنوار» للعلامة المجلسى.

فى الفلسفة ثالثا:
فى سلسلة «الحكماء يتكلمون» للكاتب الصينى تساى شى تشين، أن الفيلسوف تشوانغ تسى (369 ــ 286 ق.م) كان يقول «فى الصين القديمة كان الملوك يحكمون بلا طمع، فكانت البلاد غنية مزدهرة»، ويقول تشوانغ تسى أيضا إذا اعتبر الملك سعادة الشعب من سعادته اعتبر الشعب سعادته من سعادة الملك».
هل تعير غالبية أهل السياسة فى لبنان بالا وانتباها لسعادة الشعب؟ أم ترميه بذل الطوابير والشر المستطير؟
أما رائد الحكمة الصينية كونفوشيوس (550 ـ 479 ق.م) فكان من أوائل الداعين إلى عدم فصل الأخلاق عن السياسة، تماما كما هى حال الثلاثى الذهبى الفلسفى اليونانى سقراط، أفلاطون، أرسطو، ويُنسب إلى سقراط قوله «إن على رجال الدولة أن يكتسبوا الفضيلة أولا».
حين يتحدث كونفوشيوس عن الحكومة الصالحة، يوجزها بالقول «إنها الحكومة التى تكون غايتها إسعاد الناس» و«لوازم الحُكم لازمة الأخلاق»، ويذهب أبعد من ذلك بكثير، إذ إنه يربط بين نزاهة الحكام واستقامة الناس وبين أهواء الحاكمين وانحلال المجتمع، وفى ذلك يقول «إن نفس الأمير مثل الهواء، ونفوس الناس مثل العشب، وحين يمس الهواء العشب، يتحرك الأخير بحسب اتجاهات الهواء أو الريح».
هى السلطة إذًا، أو رجال السلطة أولا وأخيرا، وهم الرءوس الذين يشبهون رءوس السلالم التى يراد تنظيفها، فلا يمكن إجراء عملية التنظيف إذا لم تبدأ نقطة البداية من الأعلى، والأعلى هى رءوس أهل الحل والربط، أو أهل القرار، أو أهل السياسة.
•••
كيف يمكن أن تفسد الدولة؟
فى المعنى العام لا تفسد الدولة إلا إذا فسد رجالها، وأى كلام فى خارج هذا السياق، هو عبث وبلا معنى، ولعل المعلم الأول أرسطو كان سباقا فى تحليل فساد الدول وانهيارها، وله فى هذا المجال قولان:
الأول: «أخطر أنواع الفساد حين يحرض الحكام المتخاصمون الناس للخروج عن القوانين طمعا فى الولاء، حينذاك تعم الفوضى وتعلو كلمة الرعاع».
ألا يحدث هذا فى لبنان؟
الثانى: «تتلاشى الدولة عندما يتخاصم الحكام ويذهب كل حاكم إلى تفسير القوانين على هواه».
ألا يفعل الحكام اللبنانيون ذلك؟ حيث لكل حاكم تفسيره، ولكل حاكم هواه، ولكل حاكم فقهاؤه ومستشاروه فى الدستور والقانون!.
يبقى السؤال مطروحا: هل يفسد الشعب؟ لا شك أن بعضه يفسد ولكن فى الاقتصاد السياسى ثمة ما يسمى بالفساد الصغير والفساد الكبير، الأول ينجم عن الثانى ولا يمكن أن ينتج ذاتيا إذا لم يجد من يرعاه ويحميه.
وخلاصة الفساد الصغير تكمن فى صغار موظفى الدولة الذين يتقاضون الرشى والهدايا لقاء إنجاز معاملات رسمية، أو فى لجوء بعض الموظفين فى القطاع الخاص لتمرير خدمات معينة مقابل أجور لا يستحقونها، وأما الفساد الكبير فيطال كبار المسئولين فى الدولة والحكومات، عبر اختلاس المال العام والصفقات الكبرى التى ترهق خزينة الدولة، والتهرب الضريبى والتجاوز الجمركى والتوظيفات العشوائية للأقارب، والتلاعب بالقوانين، مما يُسقط الدولة ويدفع إلى تفشى ثقافة الفساد وجعلها من الطبائع الشائعة، وبمعنى آخر، فإن الفساد الصغير هو فساد أفراد، بينما الفساد الكبير هو فساد «جماعة الدولة» أى كبارها ورءوسها والنافذون فيها.
•••
آخرا وليس أخيرا، كلام عن الحكومة:
بما أن تشكيل الحكومة اللبنانية متعثر ومتعذر، وحتى لو تشكلت فلن تكون أكثر من ميدان للخناقات والصراعات، ثمة اقتراح بتغيير الوزارات واستحداث غيرها مثلما اقترح جحا على الملك بحسب إحدى قصص الأديب زكريا تامر، وذلك على الوجه التالى:
وزارة الشموع (بدل الطاقة) ومهمتها توزيع الشموع مجانا على المواطنين على أن تُشعل فقط فى المناسبات التاريخية، ويُستثنى الموظفون حين يقبضون رواتبهم الشهرية ويُسمح لهم بإشعال الشموع ليل نهار.
وزارة الأحياء والأموات (بدل الاقتصاد والصناعة والزراعة والصحة والشئون الاجتماعية) ودورها إقناع المواطنين أن الطعام يحط من قدر الإنسان، فالحيوان وحده يكرس حياته كلها للحصول على الطعام.
وزارة الضرائب وهدفها إقناع المواطنين بأن البؤس الذى يعانون منه سببه قلة دفعهم للضرائب.
وزارة المسرات والأفراح وعملها تذكير الناس بالقبور، فيشعرون بالفرح لأنهم مازالوا أحياء.
وزارة الفضيلة وغايتها إنتاج مواطن محتشم إذا حل به ظلم أو ذل لا يغضب على الحكام.

النص الأصلى هنا

التعليقات