مرور سنة على ثورة لبنان - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 2:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرور سنة على ثورة لبنان

نشر فى : الأحد 18 أكتوبر 2020 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 18 أكتوبر 2020 - 10:00 م

نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالا للكاتب فيليب سالم يعرض فيه رسالة يرغب فى نقلها للثوار اللبنانيين بعد سنة كاملة من الثورة اللبنانية.. نعرض منه ما يلى.

ها قد مضت سنة كاملة على اليوم الذى رفعتم فيه شعار الثورة. لم تكن سنة أحلامكم. كانت سنة المرارة. قليل من الانتصارات. كثير من خيبات الأمل. وبالرغم من أنكم لم تتمكنوا من صنع التغيير، نرجو ألا تنسوا أنكم حققتم نصرا كبيرا. لقد حددتم الطريق، ومشيتم الخطوة الأولى. وها قد جئت اليوم أكتب هذه الرسالة إليكم لكى يبقى لبنان صاحب «الرسالة»، ولكى تبقوا أنتم حماة هذه «الرسالة». أنا واحد منكم أيها الثوار. أنا مثلكم لقد تعمدت بالألم، كما تعمدت أيضا بالفشل. إلا أننى تعلمت شيئا مهما، شيئا كبيرا. لقد تعلمت ألا أخاف الفشل وألا أسمح له أن يجعلنى إنسانا فاشلا. هذا بعض ما تعلمت. ورسالتى هى بعض الكلام الذى أود أن أقوله لكم. أقوله لأننى خائف عليكم وخائف أن تضل الثورة الطريق. هذه هى رسالتى.
***
أولا. كان موت لبنان مسئوليتنا وكذلك اليوم فقيامته هى مسئوليتنا أيضا. وحده التمرد يقيمه من موته. عدّوان يتربّصان بنا: الإحباط والخوف. عليك أن تتعلم كيف تتغلب عليهما. إن الذين يصابون بالإحباط يسقطون، والذين يخافون يتراجعون. فقط هؤلاء الذين يثابرون بإصرار والذين يسيرون إلى الأمام بشجاعة يصلون.
ثانيا. إن الثورة هى خيارنا الوحيد. إنها الطريق إلى قيامة لبنان. يجب أن نعترف وبكل تواضع أن الحروب والمآسى التى عشناها فى الماضى والانهيار الذى نعيشه اليوم، كل ذلك، كان بسببنا نحن لا بسبب الآخرين. لم نكن، نحن اللبنانيين، على قدر كاف من المسئولية للحفاظ على لبنان العظيم. لقد أهملنا هذا الوطن الذى هو أيقونة الشرق كله. إن الشعوب التى لا تصنع قدرها بيدها توفر فرصة للآخرين لكى يصنعوا هذا القدر لها. لذا نحن هنا فى هذا القعر العميق. لم نعِ أن هذا اللبنان هو مسئوليتنا أولا، ولم نع أن التزامنا كان يجب أن يكون بـ«لبنان أولا». لم نكن على قدر قضيته.
ثالثا. لقد أصيبت الثورة بمرض عضال وهو التفكك. لقد انقسم الثوار على بعضهم البعض. فصارت الثورة مجموعات مختلفة تتكلم لغات متعددة. وصار من الصعب أن تميز بين من هو ثائر حقيقى ومن هو ثائر مزور. إن الثورة تفرض علينا رص الصفوف وتوحيد الثوار. تفرض علينا طرد المزورين من صفوفنا. تفرض علينا التنازل عن الأنا. تفرض علينا التواضع لكى نتمكن من أن نعمل مع بعضنا البعض كقوة واحدة.
رابعا. تحديد قيادة تنفيذية للثورة. ليس هناك من أمل لنجاح الثورة بعدم وجود قيادة. القيادة هى التى تأخذ الثورة إلى النجاح. القيادة هى كل شيء. تعالوا نقارن دبى إلى لبنان. إن لبنان يمتلك ما لم يمتلكه غيره من الأوطان. إنه يمتلك الأرض التى تتمدد بين البحر والسماء، ويمتلك الإنسان المميز بصبره وعناده وقدرته على التحمل. يمتلك الإنسان الذى صنع الرسالة، وصنع الحضارة المميزة فى هذا الشرق. ولكن بالرغم من كل هذا، انظر إلى أين انحدر هذا اللبنان. أى قعر من الذل وصل إليه. لم يكن ذلك قدرا. كان نتيجة لعدم وجود قيادات سياسية. أما دبى وهى الصحراء. صحراء لا تمتلك الكثير من النفط تحت رمالها، إلا أنها تمتلك القيادة. ولربما لا تمتلك شيئا آخر. هذه القيادة أوصلتها إلى ما هى عليه اليوم. كان هناك من يقول إن الثورة لا تحتاج إلى قيادة ويجب أن تبقى عفوية. ولكن العفوية تأخذك إلى مسافة قصيرة ثم تقف. فهى لا تأخذك إلى الأهداف الكبيرة. نأمل أن نكون قد وصلنا إلى اقتناع راسخ بأن القيادة هى ضرورة لحياة الثورة.
خامسا. وعلى القيادة أن تحدد رؤية واضحة للثورة. إنه لمهم أن تعرف ماذا لا تريد، ولكن الأهم هو أن تعرف ماذا تريد. لقد عرفنا ما لا تريده الثورة ولكننا ما نزال نجهل ماذا تريد. أية رؤية لمستقبل لبنان. وليس كافيا أن نحدد الرؤية بل يجب أن نحدد الطريق الذى يأخذنا إليها. من السهل أن نحدد الأهداف ولكنه من الصعب أن تحدد الطريق الذى تسلكه للوصول إلى هذه الأهداف. لقد وصلنا إلى هنا بسبب الرؤية التى اعتنقتها المدرسة السياسية اللبنانية التقليدية التى حكمت لبنان منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. والسؤال اليوم ما هى الرؤية المغايرة التى تمتلكها الثورة للبنان الجديد؟ وما هى مرتكزات التغيير التى تقترحها؟
***

سادسا. من أهم الأخطاء التى وقعت فيها الثورة هو اللجوء إلى العنف. نحن ننبذ العنف بكل أشكاله، ولا نؤمن به. نؤمن بالتمرد اللا عنفى. التمرد الحضارى. نؤمن بأن العنف يقتل الثورة. نحن أبناء حضارة تغوص جذورها فى التاريخ. لذلك نطلب من الثوار أن يرتفعوا إلى الحضارة. نحن نعرف جيدا أن معظم الذين جاءوا بالعنف كانوا من خارج صفوف ثوارنا. ولكننا نطلب اليوم من ثوارنا أن ينبذوا هؤلاء وألا يسمحوا لهم بالتسلل إلى صفوفهم كما نطلب منهم أيضا موقفا واضحا لا ريب فيه ينبذون فيه العنف ويرفضونه. قد يعتقد البعض أن العنف هو ضرورة لنجاح الثورة. أما نحن فنعتقد عكس ذلك. نحن لسنا أبناء العنف، نحن أبناء «الرسالة».
سابعا. يجب أن تبقى هوية الثورة هوية لبنانية. ويجب أن نرفض أى تسلل من قوى إقليمية أو قوى دولية إليها. نحن لبنانيون وهذه هى مسئوليتنا لقيامة وطننا. كذلك يجب أن تنطلق كل مبادئ الثورة من مبادئ وطنية بعيدة كل البعد عن الطائفية والمذهبية والمناطقية و«الزعاماتية». ليس لدينا أعداء بين اللبنانيين. فالذين يختلفون معنا فى الرؤية هم أهلنا وليسوا أعداءنا. نحن لا نريد القتال معهم، نريد معانقتهم، وأن يعودوا إلى لبنان الذى يحضننا كلنا. كفانا قتالا وكفانا حروبا. نحن بصدد إرساء السلام لا إرساء الحرب. نحن بصدد مد الجسور بين كل اللبنانيين. هذه هى رسالة لبنان. معانقة المسيحية مع الإسلام وانصهار جميع اللبنانيين فى مواطنة واحدة بغض النظر عن مذاهبهم وطوائفهم وحضاراتهم. نحن نريد قادة يأخذوننا إلى السلام، إلى الحضارة، لا قادة يأخذوننا إلى الحروب والنزاعات.
ثامنا. نحن إن كنا وحدنا سيكون من الصعب علينا أن نصل إلى كل الأهداف التى نريدها. إن لبنان فى انهيار كبير وفى قعر عميق. وإن مسئولية الثورة هى تفعيل اللبنانيين، جميع اللبنانيين، مقيمين ومنتشرين فى العالم. فتفعيل قوى الانتشار اللبنانى لدعم الثورة فى لبنان هو ضرورة كبرى لأننا بحاجة إلى دعم دولى. يخطئ من يظن أن لبنان بمقدوره أن يقوم بدعم أبنائه وحدهم. إنه بحاجة إلى دعم دولى كبير. بحاجة إلى تفعيل كل الدول والمؤسسات الدولية لمساعدته.
تاسعا. وإذا ذهبنا إلى العالم نطلب منه الدعم فماذا نقول له؟ يجب أن نعرف بدقة ماذا سنقول للعالم. نحن اليوم فى صدد مبادرة فرنسية ويجب أن نقبض على هذه الفرصة ونطلب انعقاد مؤتمر دولى فى باريس تحضره الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ويلتزم هذا المؤتمر بالتوصل إلى الأهداف التالية.
وضع خطة تشبه خطة مارشال التى تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية، فى سبيل إعمار أوروبا الغربية والنهوض بها. إن لبنان يحتاج اليوم إلى مشروع كهذا تموله الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى ليقوم من الانهيار الاقتصادى والمالى الذى هو فيه.
نطلب وضع لبنان تحت مظلة دولية، وبإشراف الأمم المتحدة، لمرحلة انتقالية. توفر هذه المظلة السلم والاستقرار فى لبنان حتى يتسنى للبنانيين بناء لبنانهم الجديد.
الطلب من مجلس الأمن وضع إطارا جديدا لحياد لبنان؛ إذ إن لبنان فى تاريخه المعاصر كان ولا يزال فريسة لأطماع دول إقليمية للسيطرة على قراره السيادى الحر. نحن نؤمن بالحياد الفاعل الذى يصب فى مصلحة لبنان العليا. هذا الحياد يتبنى المبادئ التالية:
نحن لسنا على حياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين. نحن بقوة مع حقوق الفلسطينيين فى بلادهم.
نحن نريد أن نكون على حياد بالنسبة إلى الصراعات الإقليمية والدولية. وألا نسمح لأية دولة أن تخطف قرارنا اللبنانى السيد الحر.
نحن لن نكون على حياد بين الحق والباطل سنكون دائما مع الحق. والحق هو لبنان الحر. الحق هو لبنان السيادة.
عاشرا. وبعد أن رسمنا هذا الإطار لفلسفة الثورة ومعناها، أود أن أتوجه إلى أهلنا فى حزب الله ونقول لهم. إن لبنان الثورة هو «وطن نهائى لجميع أبنائه». ونرجو أن تعودوا إليه. إنها فرصة تاريخية لكم. فرصة لتصبحوا أبطال السلام. وأود أن أذكركم أنه ليس هناك فى الأرض أرضا غير أرضنا تكون أرضكم. إن أرضكم هى ها هنا، وكل أرض خارج هذه الأرض هى ليست أرضكم. تعالوا نبنى السلام معا. تعالوا نقيم لبنان من موته معا.
أيها الثوار، لا تخافوا الظلمة. حدقوا فى الضوء البعيد فى آخر النفق، وتقدموا نحوه. إن الضوء ينتظركم.

النهار ــ لبنان

 

التعليقات