يستند موقف الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى فى التعامل مع الشأن المصرى على مصطلح «الديمقراطية الاستيعابية»، والتى تتحقق من خلال الحوار. المعنى الظاهر هو استيعاب التيار الإسلامى ــ الرافض للتغيير الذى حدث فى النظام السياسى بعد 3 يوليو الماضى. ويعد ذلك المقياس الذى يقيمون به المرحلة الانتقالية.
من حيث المبدأ استيعاب كل القوى السياسية أيا كانت فى العملية الديمقراطية هو شرط أساسى لاستدامة، ونمو، واستقرار هذه العملية. ولا يوجد متابع منصف يرى أن الإسلاميين ينبغى أن يكونوا خارج التجربة الديمقراطية. فلا هذا مقبول، ولا هذا ممكن بالمناسبة. ولكن الانصاف يقتضى أيضا أن نرى «الديمقراطية الاستيعابية» من وجهة نظر أكثر اتساعا، لا تقتصر على التقسيم التقليدى «العلمانى والإسلامى»، الذى سقط عمليا بعد أن انحاز فصيل إسلامى معتبر هو «حزب النور» إلى خارطة الطريق فى 3 يوليو، وتوافق مع قوى سياسية أخرى ليبرالية ويسارية فى إعداد مسودة الدستور المعدل من خلال توافقات أرضت كل الأطراف، وجعلها تدعو جميعا المصريين للتصويت بالموافقة، السلفى والليبرالى واليسارى، المسلم والقبطى، المرأة والرجل.
الحوار حول «الديمقراطية الاستيعابية» ينبغى أن يشمل محاور عديدة، وليس فقط الاقتصار على القوى السياسية، التى فى حال توافقها جميعا لن تحل المشكلات القائمة الناجمة عن غياب استيعاب كل الفئات فى المجتمع.
أولا: استيعاب النوع المغيب، وأقصد المرأة، من خلال التمثيل العادل لها. ثانيا: استيعاب التنوع، وأعنى الأقباط من خلال التمثيل المناسب. وثالثا استيعاب المتغير العمرى، وتحديدا الشباب، من خلال إفساح المجال لهم تشريعيا وتنفيذيا، قوميا ومحليا. ورابعا استيعاب الأقل حظا على صعيد الثروة، وأقصد الفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا. هذه الفئات جميعا لم تستوعب فى السابق فى النظام السياسى، ولا ننسى أن فى أول برلمان تشكل عقب ثورة 25 يناير 2011م، عندما كانت كل القوى فى الساحة السياسية لم تنجح فى تمثيل هذه الفئات تمثيلا مناسبا، بل استمرت على نهج الاقصاء العملى لها. ورددت فى بعض الأحيان ــ للأسف ــ ذات المقولات البالية التى كانت تروج على مدى سنوات لتبرير تهميش قطاعات عريضة من المجتمع المصرى إما بالإحالة للذكورية أو التعصب الدينى أو الهيمنة الجيلية أو الغلبة المادية.
من هنا فإن اقتصار الحديث حول «استيعاب» القوى الرافضة لما حدث فى 30 يونيو، وما ترتب عليه من تحولات، لن يحل إشكاليات الاستيعاب إذا أردنا بلوغ الديمقراطية الاستيعابية. واللافت إلى أن الأدبيات الغربية التى تروج لهذا المصطلح تتحدث فى الأساس عن استيعاب هذه الفئات التى ينقصها التمكين المناسب. وبالتالى فإن خطاب «المصالحة» و«الاستيعاب» و«الحوار» الذى يطرح أمريكيا وأوروبيا فى الحالة المصرية ينبغى أن يكون متسعا شاملا، ولا نقصره فقط على استيعاب فصيل من القوى الإسلامية.
لا يعنى ذلك التقليل من أهمية استيعاب القوى الإسلامية، فهو هم مصرى سوف يظل قائما، ولكن يعنى فى الأساس تأسيس نظام سياسى يقوم على تمثيل كل فئات المجتمع، وضمان حقوق وحريات كل المواطنين بصرف النظر عن النوع أو الدين أو الشريحة العمرية أو الوضع الاجتماعى. هؤلاء هم ملاك النظام السياسى وليست القوى السياسية، ولن تستقر الديمقراطية دون التمثيل المناسب لهم.