الجذور المصرية لليوم العالمى للطالب - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجذور المصرية لليوم العالمى للطالب

نشر فى : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:45 ص

فى أحاديث لى جمعتنى فى الآونة الأخيرة مع عدد من الشبان المصريين والشابات المصريات، سواء من المقيمين داخل مصر أو من المقيمين منذ سنوات خارجها، فوجئت بأن الغالبية الساحقة بينهم لا تدرى أن اليوم العالمى للطالب، وهو يوم 21 فبراير من كل عام، له جذور مصرية أساسية لا تنسى، تعود إلى مراحل تاريخية سابقة وصفحات زاهية خطها طلاب مصر فى الماضى، بما فى ذلك بدمائهم، خاصة فى عقد الأربعينيات من القرن العشرين، وفى مواجهة مثلث متعاون فيما بين مكوناته: الاحتلال البريطانى والسراى (القصر الملكى) وأحزاب الاقلية.
ولكى نفهم الحكاية من أولها، يتعين أن نعود إلى سرد حقيقة أن فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى صيف 1945 أطلقت طاقات وطنية جديدة ومختلفة نوعيا عما سبقها، تجاوزت القوى التقليدية المتواجدة على الساحة المصرية، وذلك من قبل قوى اجتماعية وفكرية وسياسية مصرية عديدة، وفى مقدمتهم الطلاب، خاصة طلاب الجامعات والمدارس العليا، والذين كان لهم من قبل دور بارز فى عدد من المشاهد واللقطات البارزة فى مسيرة الحركة الوطنية المصرية، نذكر منها فى القرن العشرين على سبيل المثال لا الحصر دورهم فى ثورة الشعب المصرى من أجل التحرر الوطنى والاستقلال والديمقراطية فى عام 1919، ودورهم فى انتفاضة 1935 ونجاح حركة الطلاب آنذاك فى إجبار قادة الأحزاب السياسية على تنفيذ مطلب المتظاهرين فى تشكيل حكومة وحدة وطنية للتفاوض مع المحتل البريطانى لتحقيق الجلاء، وهو الأمر الذى انتهى بتوقيع معاهدة 1936 المصرية البريطانية، والتى وفرت حالة أكثر تقدما من ميراث تصريح 28 فبراير 1922 الصادر من جانب بريطانيا تجاه مصر.
ونعود إلى المشهد عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد لعب الطلاب دورا طليعيا فى الدفع بالقوى السياسية نحو التحرك بإلحاح وإصرار لإعادة فتح ملف القضية الوطنية، تحت شعار مطلب «الجلاء التام» لقوات الاحتلال البريطانى، ولكن المطالب هذه المرة كانت أكثر شمولا وأكثر استيعابا للواقع الدولى الذى أفرزته الحرب العالمية الثانية، وشملت الدعوة إلى رفض التفاوض مع المحتل والمطالبة بالجلاء بدون شرط وبشكل فورى، ورفض الدخول فى أحلاف إقليمية أو دولية تخدم قوى الاستعمار القديم أو الجديد، وكذلك تضمنت المطالب فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الحاجة لبناء ديمقراطية حقيقية وسليمة، وأيضا إلى اتخاذ إجراءات جذرية باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة فى ضوء تفاقم سوء الأوضاع الاجتماعية والمعيشية على مدى سنوات الحرب العالمية الثانية، وشملت ايضا الدعوة للقضاء على الفساد، خاصة ارتباطه بالسراى وبالطبقة السياسية والاقتصادية السائدة فى البلاد آنذاك، بل وصلت المطالب إلى درجة المطالبة بإلغاء النظام الملكى كلية والتحول إلى النظام الجمهورى.
أما فبراير 1946 على سبيل التحديد، فقد شهد فى صباح اليوم التاسع منه انعقاد مؤتمر حاشد لطلاب مصر دعت إليه «اللجنة الوطنية للطلاب»، والتى كانت تضم ممثلين عن العديد من أطياف المشهد الفكرى والسياسى المصرى آنذاك، ودعا المؤتمر إلى وقف المفاوضات مع المحتل البريطانى، وإلغاء معاهدة 1936 المصرية البريطانية وجلاء الاحتلال البريطانى، وعقب المؤتمر انطلقت المظاهرات الطلابية الغفيرة تحاول الاتجاه إلى قصر عابدين لنقل المطالب إلى الملك فاروق الأول، إلا أن حكومة الأقلية حينذاك أمرت قوات الأمن باتخاذ جميع التدابير للحيلولة دون وصول المتظاهرين من الطلاب وغيرهم من فئات الشعب المنضمة إليهم إلى قصر الحكم فى ذلك الوقت، وبالتالى فتحت قوات الأمن كوبرى عباس ليسقط الكثير من الطلاب فى نهر النيل ويستشهد عدد منهم فيما يعرف تاريخيا بـ«مذبحة كوبرى عباس». وفى اليوم التالى مباشرة، انطلقت حركة احتجاجات واسعة ومظاهرات عامة ومتواصلة لعدة أيام، وبلغت التطورات مداها فى يوم 17 فبراير 1946، عندما تم الإعلان فى اجتماع حاشد بأحد ملاعب كلية الطب بجامعة القاهرة عن الاندماج بين اللجنة الوطنية للطلاب واللجنة الوطنية للعمال، والتى نشأت أصلا عن تشكيل تنظيمات نقابية عمالية مستقلة، وتشكيل «اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال»، والتى أعلنت بدورها الدعوة إلى أن يكون يوم 21 فبراير 1946 هو «يوم الجلاء»، ودعت اللجنة العليا إلى تدويل القضية المصرية وإلى التحرر من التبعية الاقتصادية.
ومن الناحية الفعلية شهد يوم 21 فبراير 1946 إضرابا شاملا فى البلاد، شاركت فيه فئات الشعب المختلفة وفى المقدمة منهم الطلاب والعمال، كما أغلقت المحال التجارية أبوابها، حدادا على شهداء 9 فبراير، وعقدت اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال مؤتمرا بميدان الأوبرا أعلنت فيه المطالبة مجددا بالجلاء التام لقوات الاحتلال البريطانى وإلغاء معاهدة 1936 المصرية البريطانية، وفى نفس ذلك اليوم انطلقت مصفحات بريطانية من معسكرها بميدان الاسماعيلية آنذاك (ميدان التحرير حاليا) لتطلق النار بكثافة على المتظاهرين حيث سقط المزيد من الشهداء، وهو الأمر الذى أدى بدوره إلى تضاعف اتساع وحجم وقوة حركة الاحتجاجات والمظاهرات. وفى المقابل، فإنه خلال ذلك اليوم حدث التحام بين الضباط الوطنيين فى الجيش المصرى وبين أبناء الحركة الطلابية الوطنية المصرية، فقد أصدرت الحكومة تعليماتها إلى الجيش لمحاصرة الطلاب داخل جامعة القاهرة، إلا أن العديد من ضباط الجيش، خاصة أولئك المنضمين إلى تنظيمات سياسية وتيارات فكرية وطنية، بما فى ذلك نواة تنظيم الضباط الأحرار فى ذلك الوقت، رفضوا أن تقوم قوات الجيش بإطلاق النار على الطلاب.
واستطاعت حركة الاحتجاجات والتظاهرات فى أنحاء مصر إجبار بريطانيا على إجلاء قواتها من المدن الكبرى واتجاهها لتجميع تلك القوات فى منطقة قناة السويس، بنفس القدر الذى أجهضت به مشروع اتفاقية صدقى ــ بيفن، وفى نفس العام 1946 انعقد الاجتماع التأسيسى لاتحاد الطلاب العالمى فى العاصمة التشيكية براج بمشاركة طلاب وطالبات من مصر وقرر اعتبار 21 فبراير يوما عالميا للطلاب تقديرا لتضحيات الطلاب المصريين فى سبيل استقلال وطنهم وحريته.
وهكذا رأينا عبر ما عرضنا له من فقرات سابقة فى هذا المقال كيف أن طلاب مصر وزهرة شبابها كانوا فى حقيقة الأمر، ومنذ ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن من الزمان، ضمن صفوف القوى الكامنة، عبر تضحياتهم الوطنية فى سبيل التحرر الوطنى والاستقلال لوطنهم، وراء اختيار 21 فبراير يوما عالميا للطالب، وأثبت طلاب مصر كونهم فى طليعة الطلاب على المستوى العالمى الواعين بواقع مجتمعاتهم وبتطلعاته وبمعاناة شعوبهم وبآمالهم وأحلامهم، سواء على صعيد الوعى بالهوية الذاتية والشعور، الفردى والجماعى، بالانتماء، أو من جهة مدى تقدم درجة الوعى الوطنى أو الثقافى أو الاجتماعى لهؤلاء الطلاب.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات