هذا التجاهل المريب لأوضاع الأمة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 4:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذا التجاهل المريب لأوضاع الأمة

نشر فى : الأربعاء 19 فبراير 2020 - 9:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 فبراير 2020 - 9:30 م

كل الدلائل تشير إلى أن النظام الإقليمى القومى العربى يمُّر الآن فى محنة، وأن الأنظمة الإقليمية العربية الفرعية، مثل مجلس التعاون الخليجى أو مجلس الاتحاد المغاربى، هى الأخرى تمّر فى محنها الخاصة بها.
وكل الدلائل تشير إلى أدوار، ظاهرة وباطنة، تخطّطها قوى صهيونية عالمية وتنفّذها قوى استعمارية، وبالأخص نظام الحكم الأمريكى الحالى. وتتمثّل تلك الأدوار فى أشكال من الابتزاز الاقتصادى والمالى، ومن اختراقات أمنيّة، ومن خلال الإشعال المستمر والمتنامى لنيران الجنون الجهادى التكفيرى داخل وخارج الأرض العربية، ومن إيقاظ لأحلام وهمية وادعاءات نرجسية فى بعض دوائر الحكم العربية، ومن خلط للأوراق وحبك صراعات مذهبية وقبلية وقطرية عبثية عبر شبكات التواصل الاجتماعى العربية.
وبالطبع فإن ذلك كله ما كان لينجح ويحقق أهدافه الشيطانية لولا وجود نقاط ضعف شديدة فى المجتمعات العربية المدنية من جهة وفى أنظمة الحكم العربية من جهة أخرى.
ما يؤلم ويحيّر ليس وجود تلك الموجة الهائلة المتعاظمة من المؤامرات، إذ إن التاريخ العربى، قديما وحديثا، وعلى الأخص بعد زرع الكيان الصهيونى فى قلب الوطن العربى وبعد قيام شتّى محاولات التمرّد على الوجود الاستعمارى الغربى فى الكثير من الأقطار العربية، ويؤكّد بأن مؤامرات الخارج لتمزيق هذه الأمة وهذا الوطن وإدخالهما فى حالات العجز والتخلُّف الحضارى لن تتوقّف، بل ولن تتراجع.
ما يؤلم وما يحيّر هو الصمت المريب الذى تمارسه كل المؤسسات العربية، القومية منها والمناطقية، تجاه ما يجرى.
فالجامعة العربية، ومؤسسة القمة العربية، والمجالس المناطقية العربية، ومعهما منظمة التعاون الإسلامى، يرون التدخلات الفاضحة أمامهم، ويرون التراجعات المعيبة فى الالتزامات القومية، ولكنهم يقفون عاجزين أو مهملين أو حتى راضين.
هل يعقل أن تقبل كل تلك الجهات بأن يدار الموضوع العربى السورى من قبل روسيا وإيران، وأن يدخل العساكر الأتراك الأرض العربية السورية ويتصرفوا وكأنهم هم الذن يملكون ويحكمون الشمال الغربى السورى، وأن تصل الصراعات الجنونية فى ليبيا إلى قرب مرحلة تفتت ذلك القطر العربى ونهب ثرواته والتدخل فى شئونه من قبل كل من هبّ ودبّ، وأن يواجه عشرون مليون من الإخوة اليمنيين الجوع والمرض والدّمار الشامل لكل ما بنى عبر عشرات القرون، وأن يواجه القطر العربى اللبنانى إمكانية الإفلاس والانهيار الاقتصادى، وأن يشاهدوا الاحتقار الأمريكى لكل حقوق وآمال وأهداف الشعب العربى الفلسطينى وتسليم كل فلسطين العربية إلى كيان صهيونى استعمارى اجتثاثى، وأن يسمعوا يوميا عن شتى فضائح التطبيع المجنون المخزى فيما بين هذا البلد العربى أو ذاك وما بين الكيان الصهيونى، ولأسباب انتهازية ضيقة مؤقتة، ومن أجل استدرار الرّضى الأمريكى الذى يقهقه ساخرا وهو يرى التخبّط العربى والتسابق البليد للحصول على كلمة مباركة أو ابتسامة ساخرة من رئيس نرجسى جاهل تحركه وتسيطر على عقله أوهام توراتية أسطورية؟ هل يعقل أن تقبل كل تلك الجهات بكل ذلك؟
إذا كانت هناك جهات فى تلك المؤسسات العربية المشتركة تعرف الجواب على هذا التساؤل المحيّر الموجع فلم لا تشير إلى مسببيه الحقيقيين فى إحدى جلسات تلك المؤسسات وتطالب بالعمل الجمعى لإيقاف من يعبثون بمصير هذه الأمة؟
بجانب كل العلل التى أصيبت بها أمتنا عبر العصور هناك الآن مرض سرطانى مميت يعيش فى الجسم العربى ويهدده بالموت المؤكد. كما أنه توجد أياد عربية تمنع معالجة ذلك المرض، لأنها تقتات على وجوده.
لن ندخل اليوم فى موضوع النّوم العميق لمؤسسات المجتمع المدنى السياسية، فى خارج الحكم، وهى تشاهد كل ذلك. ولا يمكن لأحد أن يقنعنا بأنها تحرّك ساكنا مفيدا، غير إصدار البيانات المعادة المملّة.
نعلم أننا نمارس الصّراخ فى وادٍ لا يسمع ولا يشعر، لكننا نعلم يقينًا بوجود قوة فى هذا الوادى المقفر، قوة ستسجيب لنداء التاريخ، وستبهر العالم كلّه.

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات