الكورونا.. فى منتصف الليل - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكورونا.. فى منتصف الليل

نشر فى : الخميس 19 مارس 2020 - 10:55 م | آخر تحديث : الخميس 19 مارس 2020 - 10:55 م

نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب «نصرى الصايغ».. جاء فيه ما يلى.
إنه منتصف الليل، فى وضح النهار. منتصف الليل هذا طويل. لا وقت لرحيله. إنسَ أنك كائن طبيعى. الأفضل أن تحترس من الجنون. جنونك هو ألا تخاف. خوفك دواؤك. منذ الآن، منذ ما قبل الآن، أنت لم تعد أنت. إن لم تتغَّير مُت.
إنه منتصف الليل. صوِّب نظرك إلى آخر النفق. الضوء قادم من هناك لكنه لن يأتى قبل أن تصارع وتصرع العتمة. هذه الحياة اليوم، لعنة. الموت على رءوس أصابعنا. قريب من فمنا. على رموش عيوننا. لذا، ابتعد عنك بمقدار ما تبتعد عنه، كائنا من كان.
إنه منتصف الليل. برهن أنك تحب الحياة. عش بفرح انتمائك إلى شرط الحياة الصعب والخطير والقاتل. إننا نعيش فى زمن توحدت فيه الكرة الأرضية بمرضها. لذا، علينا أن نفتش عن الحب. أن نبذله، أن نعطيه، أن نغبطه، أن نوفر له الهواء النقى. إنه لصعب أن يتعايشا معا، الحب والموت. العافية والمرض، الأنا وأنت. كل الخطر إن كنا معا. فلننفصل. خلاصنا الصعب يتطلب الانفصال.. فلننفصل.
جاء منتصف الليل على حين غفلة. ليل قبيح جدا. لا يعترف بصبح وشفق وأناس من طينة الأرض. ليل يلغى كلامك الماضى كله، ويقذفك إلى السؤال الواحد، تكرره: تسمع الجواب، ولا تشفى. الليل ما زال فى أوله. ربض على كل العواصم والقارات. صار الآمر الناهى: إنها ديكتاتورية الكورونا. إنه عصر إعلان هشاشة الإنسان، أمام مجهول يشغل العالم.
لم يكن أحد مستعدا. ظن البعض أن نجاته مضمونة. وأن الموت حظ الفقراء. وأن القلق حصة العامة، وأن «الطاعون» الحديث لا يصيب إلا الضعفاء: دولا وشعوبا وبشرا وأطفالا.. انكسر الكبار. كان صوت انكسارهم مرعبا. هشاشة الأقوياء أمثولة.
من فضائل هذا الليل القاتل، إنه ساوانا بالإنسانية. لكن السياسات لم تتعلم بعد أن الإنسانية ليست مناسبة تمر وننساها. الإنسانية دين البشرية الموحد. إنها الدين الوحيد بقيم جامعة. البشرية انصرفت إلى حروبها: الأقوياء ضد الضعفاء. الأغنياء ضد الفقراء. الكبار ضد الصغار. الأديان ضد الأديان. المذاهب ضد المذاهب. الأوليغارشية ضد البروليتاريا. اليمين ضد اليسار، الـ… ضد الـ.. حتى نهاية الحروب.
عندنا، منتصف الليل مقيم منذ قرن. دم أسود يزين أساور السياسات وأنظمة العدوان وحكومات الاستبداد وعصابات المال لكن هذه المرة وضعت الجميع فى النفق المعتم. ويا لبؤس الناس. النفق المعتم لا يتسع للجميع فى سباقهم إلى آخر النفق. لذا. أغلقت الدول حدودها. تريد أن تحرس بلادها، من موت قادم من بلاد أخرى. لم تنجح. البلاد كلها متشابهة تقريبا. والبلاد كلها، غير مستعدة لليل الوباء المخيف.
نحن فى لبنان، نعيش حالة استثنائية. ندخل فى نفق متشعب ولكنه مقفل. لا بصيص ضوء. من زمان وأنظمتنا وقادتنا وأحزابنا وطوائفنا ومذاهبنا وسياساتنا، تشد الخناق على أعناقنا. عشنا سنوات وعقودا بلا أفق. بلى. كنا نرسم أفقا دائما، وكانت السلطات الاستبدادية المستهترة والناهبة، تسد الأفق بسهولة نداء: «يا غيرة الدين»، يا «لمكانة المذاهب»، يا «ضيعان الزعامة».. استحق ما عندنا، سد علينا الطريق للخروج من محنة الانفاق المتناسلة. هؤلاء المجرمون جدا، جدا جدا. «مسئولون» اليوم عن أن يكونوا حراس سلامتنا من الكورونا، وليس فى جعبة الدولة، فلس لمواجهة النقص، فى كل شيء تقريبا، دولة فاشلة من زمان. عمرت على فشلها تمثالا للفشل لا يصيبه تعب أو وهن، ويدر مالا وفيرا.
لن يتعظ اللبنانيون الممارسون لهويتهم اللصوصية، راقبوا الرأسماليين.. راقبوا المصارف. تابعوا رجال السياسة… والله ألف عيب.

الكورونا قد يقتل منا الكثير، ولكنه سيظل مقصِّرا فى منافسة هذه السلطات المتوارثة التى قتلت مستقبلنا وحاضرنا وماضينا. لبنان المتسول الآن، ليس فقيرا أبدا. لقد تم تشليحه رسميا مقومات حياته كآدمى. قبل الكورونا، كنا مصابين بأدهى. وما نزال.
ومع ذلك. الزمن اليوم ليس زمن حساب. غدا. عندما ييأس منتصف الليل من إرادتنا، سنعود إلى جراحنا، نداويها بالأمل والعمل. يجب ألا نغفر لهم مسارهم الذى أوصلنا إلى الإفلاس والفاقة والعجز ومواجهة الكورونا باللحم الحى.
الساعة الآن، ليست للحساب.
لكننا… لن ننسى. لن نعكر عليكم تعثركم وتلعثمكم.
ولكن، الحساب آتٍ، بعد هزيمة الكورونا.
انتظرونا… إننا قادمون حتما. وسيبدأ الحساب من بوابة الصحة، لنسألكم، ماذا فعلتم؟ لماذا بنيتم مستشفيات حكومية وتركتموها جدرانا وغرفا فارغة؟ لماذا استبدلتم مشافى الدولة، أى مشافى الناس، لصالح مستشفيات الكارتيلات المالية والمذهبية.
سنحاسبكم…
لقد برهنتم دائما، أن لا شفاء لكم ابدا.
انتظرونا إذن… يا أقبح مرض سياسى عرفناه فى تاريخنا اللبنانى التاعس.
النص الأصلى:من هنا

التعليقات