قبيل فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، وفى مطلع أغسطس 2013، صادفت بشارع البطل أحمد عبدالعزيز بحى المهندسين، عددا من أعضاء تنظيم القاعدة، الذين ارتبطوا بشكل مباشر بمؤسس التنظيم الراحل أسامة بن لادن، وخلفه أيمن الظواهرى.
كنت على صلة بأحدهم بحكم تخصصى كمحرر لملف الحركات الاسلامية، حيث التقيت به بعد عودته إلى مصر وعرفنى على عدد من كوادر التنظيم، الذين عادوا عقب الثورة أو أخلى سبيلهم بقرارات العفو صدرت إبان حكم المجلس العسكرى بعد سقوط نظام مبارك.
دار بينى وبين الرجل ومن معه حديث مقتضب ختمه أحد مرافقيه، وهو يمنى الجنسية، بقوله إن مصر باتت أرض جهاد، ولن يغادروها إلا بعد أن يسقطوا «الانقلاب» ويقيموا دولة الخلافة، أدركت حينها أننا مقبلون على نفق لن نتجاوز ظلامه إلا بعد دفع ضريبة غالية من الدماء.
الإرهابيون العابرون للحدود الذين استقبلتهم مصر أو أطلق سراحهم من السجون بعد أحداث ثورة 25 يناير قضوا العقود الثلاثة الأخيرة، وهم يخوضون حروب عصابات، من أفغانستان إلى الشيشان، مرورا بالبوسنة وألبانيا، حتى صارت الحرب بالنسبة لهم حرفة لا يستطيعون تركها، فضلا عن أن أفكارهم عن إقامة دولة الخلافة لم تتغير.
«العائدون إلى القاهرة»، ظنوا أنه بوصول الإخوان إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، فالطريق ستكون ممهدة أمام مشروعهم، الذى أجهض فى أفغانستان بسقوط كابول نهاية 2001، لكن هذه المرة بآليات مختلفة.
انهار حلم التسلل إلى السلطة عبر سلم الديمقراطية، بسقوط حكم الإخوان وعزل محمد مرسى، فقرر هؤلاء «العائدون» تحقيق حلمهم بالطريقة التى احترفوها واستعادوا السلاح الذى توارى شهورا عن المشهد، واستغلوا حالة الانكشاف الأمنى، وأعلنوا الحرب على الدولة المصرية.
فى سجون مبارك ارتبط «العائدون» سواء من أفغانستان أو ألبانيا أو الشيشان بعدد من شباب سيناء، الذين تم احتجازهم على ذمة قضايا تفجيرات طابا ودهب وشرم الشيخ، تم تجنيد بعض من هؤلاء الشباب فى تنظيم القاعدة بالسجون، وبعد الثورة صدرت قرارات عفو سواء من مجلس المشير طنطاوى أو من محمد مرسى شملت قادة من الجناح العسكرى لتنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية، الذين شارك بعضهم بن لادن والظواهرى فى تأسيس «القاعدة»، قرارت العفو شملت أيضا رفاقهم من شباب سيناء.
العلاقة بين «العائدين» وشباب سيناء المفرج عنهم توطدت بعد فض اعتصامى أنصار مرسى، واستقبلت سيناء خبراء حرب العصابات، وعبر إليهم سلاح الجيش الليبى المنحل، حتى صارت دروب سيناء حاضنة لزعماء الإرهاب، ومحترفى القتال.
الهجوم الأخير على قسم العريش وما سبقه من عمليات إرهابية سقط فيها العشرات من أبناء الجيش والشرطة، لا يُسأل عنه فى الأساس إلا من أصدر قرارات عفو أطلق بموجبها سراح قادة الأجنحة المسلحة للتنظيمات التى استدعت «الفريضة الغائبة» لإقامة دولتهم المزعومة، يتساوى فى المسئولية الرئيس الإخوانى محمد مرسى ومجلس طنطاوى العسكرى، فالطرفان أخرجا من السجون من لا يؤمن بالدولة التى نعرفها، وسمحا بعودة عشرات المقاتلين ممن قضوا سنوات فى قبضة أجهزة مخابرات معادية دون متابعة.
النار المشتعلة فى سيناء ستنتقل إلى بؤر جديدة إذا تعاملنا مع ملف «العائدين من سوريا وليبيا» كما تعاملنا مع أسلافهم.
saadlib75@gmail.com