«سعد فى حياته الخاصة».. الزعيم مثقفًا! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 8:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«سعد فى حياته الخاصة».. الزعيم مثقفًا!

نشر فى : الجمعة 19 أبريل 2019 - 10:45 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أبريل 2019 - 10:45 م

«سعد فى حياته الخاصة»؛ واحد من الكتب التى اعتنت بإعادة نشرها وإصدارها دار الشروق، فى مناسبة مئوية ثورة 1919، بإشراف الأستاذة منى أنيس. الكتاب صغير الحجم يقع فى 140 صفحة، من قطع الجيب، بغلاف بديع جدا للفنان أحمد اللباد.

يبرز هذا الكتاب ببساطة، ومن دون أى فذلكة، أن السياسى الناجح صاحب الكاريزما والحضور والتأثير بالضرورة يجب أن يكون من كبار المثقفين المحبين للفنون والآداب، وأن يكون ممتلكا لزمام اللغة وقادرا على التعبير بها شفاهة وكتابة. وكان السياسى الناجح بين هذا الجيل، آنذاك، هو المثقف الأديب الفنان، فلم يكن أمام هؤلاء السياسيين، إذا أرادوا الوصول إلى قلوب الجماهير وعقولهم، سوى الخطابة والكتابة‏،‏ ومن لم يكن منهم خطيبا جيدا وأديبا متمكنا من أسلوبه ولغته، كان يفقد الكثير من وسائل الاتصال المؤثر بالناس‏.‏

مؤلف الكتاب؛ أحد أشهر الأسماء التى قدمت عددا لا بأس به عن البلاط الملكى والحياة فى مصر قبل 52، إنه الكاتب والصحفى كريم ثابت؛ الذى عمل قبل يوليو 52، وزيرا ومستشارا صحفيا للملك فاروق. وبالتأكيد، فإنه فى هذا الكتاب البديع، يقدم لنا مشاهد ممتعة عن عناية الزعيم الراحل سعد زغلول بثقافته‏،‏ وحرصه البالغ على إتقان اللغة العربية إتقانا تاما‏،‏ واهتمامه الشديد بأن تكون خطاباته وكتاباته كلها خالية من أى خطأ فى اللغة، وأن تكون أيضا ذات أسلوب جميل فيه إيقاع موسيقى ترضى عنه الأذواق وتطرب له‏،‏ وبذلك يمكن لهذه الخطابات والكتابات أن تثير عواطف صادقة عند الذين يستمعون إليها أو يقرأونها‏.‏

كان سعد زغلول من أكثر الذين تركوا وراءهم عبارات معروفة يحفظها الناس ويرددونها بعد رحيله فى ‏23‏ أغسطس عام ‏1927 وحتى الآن،‏ ويورد المرحوم رجاء النقاش نماذج من هذه العبارات؛ منها قوله المشهور‏:‏ «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة»، ويعلق عليها قائلا: «ولو أننا فكرنا فى هذه العبارة البسيطة البديعة لوجدناها تلخص لنا المعنى السامى للديمقراطية فى بساطة ودون سفسطة أو ثرثرة».‏

صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام ‏1929‏، ومن حينها فيما أعلم لم يطبع أى طبعة ثانية، إلى أن أظهرته مجددا الأستاذة منى أنيس فى هذه الطبعة الأنيقة عن (دار الشروق)، يقول كريم ثابت فى صفحة 90 من الطبعة الجديدة:‏ «من المعروف عن سعد باشا أنه برغم تبحره فى اللغة العربية ووقوفه على أسرارها كان يهتم كثيرا بأن تجىء عباراته صحيحة الأسلوب فصيحة الكلمات‏.‏ ولذلك كان لا يجلس للكتابة إلا ومعجم «أقرب الموارد» موضوع على مكتبه بالقرب منه‏،‏ وكان إذا أراد إعداد مقال مهم أو نداء خطير يكثر من تبديل عباراته وتحديد ألفاظه‏،‏ حتى أنه لا يجد ما يمنعه من تغيير معظم الجمل ثلاث مرات أو أربعا ومما كان يبعث سعد باشا على الإكثار من مراجعة كتاباته وتحويلها وتبديلها أنه كان يعلق على وزن الجمل واختيار مقاطع العبارات أهمية كبيرة‏.‏ وكان إذا خامره شك فى انسجام جملة من الجمل قرأها بصوت مرتفع ليتذوق نغمتها فى سمعه‏.‏ وكان برغم سعة اطلاعه كما أشرنا إلى ذلك من قبل لا يتوقف عن الرجوع إلى كتب اللغة العربية القديمة، فيطالع أبوابها بإمعان واهتمام، كأنه طالب فى العشرين من عمره‏،‏ وكان يجد متعة خاصة فى مطالعة الكتب القديمة التى أعادت مطبعة دار الكتب المصرية طبعها بإتقان فى السنوات الأخيرة؛ مثل «نهاية الأرب» (يقصد نهاية الأرب فى فنون الأدب للنويرى)، و«التاج» (للجاحظ) و«الأغانى» (للأصفهانى).‏.».

يعلق المرحوم رجاء النقاش على هذا المقطع قائلا: «وهكذا نجد أن سعد زغلول‏،‏ وهو القمة فى الزعامة الشعبية‏،‏ كان يحرص على توسيع ثقافته وتعميقها‏،‏ وكان يحرص على اللغة العربية‏،‏ ويحب أن تكون كتاباته وخطاباته صحيحة سليمة؛ من حيث اللغة والذوق‏،‏ بل كان يحرص على أن يكون فيها إيقاع موسيقى.‏ لم يكن سعد زعيما سياسيا فقط‏،‏ بل كان زعيما من زعماء الأدب واللغة أيضا».

من الممتع أن نقرأ كتابا صغير الحجم عن تفاصيل حياتية شديدة البساطة والألفة فى حياة أكبر وأهم زعيم وطنى عرفته مصر فى النصف الأول من القرن العشرين، لا تنفصل عن تكوينه ورؤيته والعناصر التى شكلت زعامته. ورحم الله الزعيم سعد زغلول.