إلى صاحب القلب الذهبى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 23 فبراير 2025 5:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إلى صاحب القلب الذهبى

نشر فى : السبت 22 فبراير 2025 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 22 فبراير 2025 - 8:05 م

(1)
فرحة عارمة وجارفة غمرت الفضاء الأزرق ليلة الأربعاء الماضى، خاصة بين المشتغلين بالكتابة الإبداعية والروائية، عقب إعلان فوز الكاتب الكبير والقدير محمود عبدالشكور بإحدى جوائز القلم الذهبى للأدب الأكثر تأثيرًا فى العالم العربى، فى دورتها الأولى بالعاصمة السعودية الرياض.
لم يكن إعلان فوزه بالجائزة سوى الفرصة أو المناسبة التى سنَحتْ للجميع، أخيرًا؛ من أصدقائه وزملائه وقرائه فى مصر والعالم العربى، كى يعبروا حقيقة وصدقًا عن عرفانهم وامتنانهم ومحبتهم لكاتبهم الذى لم يخذلهم أبدًا!
اتفق أو اختلف مع رأى له هنا أو تحليل هناك (وهذا فى جملته نادر بل شديد الندرة لكل من يقرأ لمحمود عبدالشكور)، قد تتعجب قليلًا من هذه القدرة على المتابعة والغزارة فى الإنتاج؛ كتابة المقال ومشاهدة الأفلام وقراءة الكتب والروايات..
قدرة مذهلة وعظيمة وكاملة الحمولة الإنسانية والمعرفية معا! وهذه سمة لم تعد متوفرة بكثرة الآن! وإذا أضفنا إليها تفجر نبع الإبداع الخالص، فى السنوات الخمس الأخيرة التى أصدر فيها محمود عبدالشكور ثلاث روايات، فقد اكتملت أضلاع أى شكل هندسى يمكن أن يضم كل مناحى التأليف والكتابة والإبداع والنقد.. إلخ، ومدّ الخيط على استقامته كيفما شئت.
الذين يعرفون قيمة محمود جيدًا والدور العظيم الذى يلعبه بإخلاص واقتدار ونزاهة منذ ما يزيد على الثلاثين سنة، فى حياتنا الصحفية والثقافية والأدبية والفنية، وزد عليها حضوره الإنسانى الذى لا يختلف على نقائه وسلامته، وندرة معدنه، يدركون - كما أدرك ذلك جيدًا - أن لا أحد يمكن أن يختلف على هذه القيمة، وهذا الدور!
أنا هنا لا أتحدث عن نفسى.. أبدًا! أنا فقط أحاول أن أنقل بعضا مما قرأت ومما شاهدت ومما سمعت منذ منتصف ليل الثلاثاء الماضى وحتى صباح اليوم الذى أسطِّر فيه هذا المقال!
(2)
ربطتنى صداقة عمرها الآن يقترب من العشرين بمحمود عبدالشكور، عندما كنت حديث عهد بالصحافة لم يمض على تعيينى سوى أشهر معدودة. فوجئت حينها بمدير تحرير مجلة (أكتوبر) الفنان الراحل مصطفى البرى يستدعينى إلى مكتبه، ويقول لى بصوته العميق «انت لازم تعرف محمود»، ودون أن ينظر إلىّ أخذ يدير قرص التليفون الأسود المهيب ويستدعى محمود.
قال لى إنه من أفضل الناس وأرقى الشخصيات الذين يمكنك التعامل معهم، سواء من ناحية ثقافته الموسوعية أو من ناحية أخلاقه العالية، وحضوره الإنسانى النبيل.. وهكذا جاءت لحظة السعى والمقابلة الأولى التى كتبت علاقة صداقة عميقة بيننا نشأت فى حينها، وما زالت قائمة بنفس توهجها حتى الآن، وأدعو الله أن أنعم بها إلى أن أموت.
منذ اللحظة الأولى، وبنفس الانطباع والعبارة التى سجلها نصا فيما بعد، أدركت أن هناك مشتركات أصيلة بيننا، ورغم فارق السن الذى يجاوز اثنتى عشرة سنة كاملة، شعرت أنه ينتمى إلى «دائرتى» الأقرب أو أننى أنتمى إلى جيله، لا يهم، فاهتماماته مشابهة لاهتماماتى، قراءاته واسعة جدًا وتغطى كل مناحى المعرفة والآداب والفنون، ولم ينفتح باب لموضوع من الموضوعات أو حديث من الأحاديث إلا ونجد أنفسنا قد اشتبكنا فى تفاصيله ودقائقه كأننا على اتفاق لتحليل وتفكيك هذا الكتاب أو ذاك أو هذا الموضوع أو هذا النص.
كنت فى هذا التوقيت أشعر باغترابٍ كبير جدًا، وإحساس مرير بالوحدة واليأس والخوف من المستقبل، فجاء محمود ليبدِّد هذه الوحشة، وهذا الاغتراب، وهذه الوحدة، ويدعم صديقه «الصغير» بكل ما فى وسعه، إنسانيا ومهنيّا وماديّا أيضًا!
نمتْ هذه الصداقة واستمرت، وشكَّلت قوام العمر الذى استغرقته هذه الأعوام العشرون؛ وأدعو الله أن تستمر إلى آخر العمر، فالصداقة مثل البشر تمامًا لها لحظة ميلاد، وتنشأ مثل كائن حى وليد، تغذيها المشتركات والمواقف الإنسانية، وتنمو مع الوقت، وتتطور، فإما أن تترسخ جذورها وتتعمق، وإما تضمحل وتذوى وتموت.
والحمد لله أنها كانت واستمرت وستظل بإذن الله.
(3)
طوال عشرين سنة، وأنا أعتبر محمود عبدالشكور أخى وصديقى و«أستاذى» أيضًا، فى الحياة والإنسانية والكتابة الصحفية، ونعمة كبرى من واهب النعم فى هذه الحياة. بدونه ما كنت تجاوزت أزماتٍ قاتلة وتحديات كانت كفيلة بتدميرى حرفيّا لولا وجوده وصداقته، وأخوته الحقيقية الأصيلة، ودعمه الإنسانى بلا حدود.
عشرون سنة، وأنا أتعلم منه دائمًا كيف أحبّ الناس أكثر، وأن أكون متصالحًا مع الحياة والدنيا أكثر، وأن أرى بعين الجمال والمحبة والعطف ما لا يُرى، وتحجبه الرداءة وركام الغلظة والخشونة اليومية التى تحاصرنا من كل جانب.. هذه فى ظنى هى قيمة محمود عبدالشكور، ومفتاح شخصيته وحضوره التى جعلته الناقد والفنان والإنسان الذى أحبه الجميع، وفرح له ومن أجله الجميع أيضًا..
لذا فلم يكن غريبًا أبدا ولا مستغربًا هذا الطوفان الكاسح من المحبة والفرح التى عبَّرت عن نفسها طوال الأيام الماضية احتفالًا بمحمود، وتقديرا لإنجازه الكبير والرفيع، وامتنانًا جمعيّا بغير اتفاق ولا ترتيب لنبله وأدواره فى الحياة والصحافة والكتابة والإنسانية.