رغم أن مسألة التنظيم فى كل الأمور كتلك المتعلقة بالحوار الوطنى تبدو لدى البعض أمرا شكليا، إلا أن التنظيم هو عملية تحتاج إلى كفاءة عالية، وإذا كان الأمر متصلا بمسألة كالحوار الوطنى بين القوى الفاعلة فى المجتمع، فالمؤكد أنه سيكون العبء على تلك اللجنة كبيرا فى إنجاح الحوار الوطنى.
وهناك أكثر من شكل فيما يخص تنظيم الحوار الوطنى، الأول أن يكون المنظمون غير محايدين، كأن يتم اختيارهم من قبل الفاعلين أنفسهم فى الحوار، فتصبح عملية التنظيم معلقة على قرارات يتخذها ممثلو الفواعل فى عملية الحوار، كأن تكون عملية التنظيم موكلا قيادتها إلى 10 أشخاص من كافة الفواعل الرئيسة يختارون بدقة. هذا النوع من التنظيم سيكون خاضعا للمساومات والاعتبارات السياسية.
الأمر الثانى، أن يوكل التنظيم لهيئة محايدة، وهو الشكل الأرجح على ما يبدو فى العملية التى نحن مقبلون عليها. حيث يوكل تنظيم الحوار إلى لجنة تقوم بالإعداد له، والإنفاق المالى عليه، وتجهيز المكان خلال أيام انعقاده، وتنفيذ آليات تقسيم العمل التى اتفق المشاركون عليها خلال الحوار، والاتصال بكافة الأطراف، والإعلان والإعلام، وإعداد ما يلزم حتى تخرج قرارات الحوار بنتائج إيجابية قابلة للتنفيذ على الأرض دون أن تخضع لمساومات أخرى.
ولعل إحدى السمات الرئيسة للقائمين على تنظيم الحوار الوطنى وفق هذا الأمر الثانى، هى أن يتمتع هؤلاء ببعض السمات العامة التى يجب أن يتحلوا بها لضمان نجاحه، وهى من المؤكد الاستقلالية والموضوعية والشفافية والاحترافية والاتصال.
الاستقلالية، وتعنى أن يكون المنظمون غير تابعين لأية جهة ذات صلة بموضوع الحوار، أو أى من سلطات الدولة الثلاث، وذلك لضمان ألا تكون منحازة. وأن يكون عملها مقابل أجر مستقطع من موازنة الدولة وليس من أية جهة أخرى تتصل بالحوار، وقد يتفق كما جرى فى تجارب مشابهة أن يكون عمل المنظمين تطوعيا خالصا.
الموضوعية، وتعنى نزاهة اللجنة، وذلك بأن تكون على مسافة واحدة من جميع الفواعل المشاركة فى الحوار، ولا يعنيها بشكل مباشر أية مسألة تخص الحوار أو مخرجاته. ومن ثم يكون توجيه الحوار من قبلها لا يعدو إلا أن يكون أمرا إجرائيا، دون أن يعنى ذلك افتقادها للحس السياسى.
الشفافية، وتعنى علانية أعمال المنظمين بأمانة ودون أى زيادة أو نقصان، أو ترجيح رأى على رأى، وتوضيح أعداد المؤيدين والمعارضين لكافة الآراء المطروحة على مائدة الحوار. كل ما سبق يجعل من المهم أن يكون المنظمون غير منتمين بأية مصلحة مع أية جهة. لذلك من الأهمية بمكان أن يتمتع المنظمون بحصانة مؤقتة، تمكنهم من العمل دون مؤاخذتهم من أية جهة إدارية تابعين إليها قبل بدء الحوار، وذلك بعد انتهاء عملية تنظيم الحوار.
الاحترافية، وتعنى قيام اللجنة بعملها التنظيمى بكفاءة ودون تردد أو تذبذب، وهو ما يعنى أن يكون أعضاء اللجنة من المدربين تدريبا جيدا على أعمال الاتصال والإنفاق ولباقة الحوار وإعداد اللوجستيات الكفيلة بإنجاح فواعل الحوار، وتخليص وإلإنهاء كافة المشكلات المحيطة بهم والمعنية بالحوار، وتنظيم الوقت فى إدارة جلسات الحوار.
الاتصال، وتعنى قدرة اللجنة المنظمة على الاتصال بالجهات الإدارية فى الدولة لتوفير البيانات والمعلومات اللازمة لجدية الحوار ودقة المعلومات الواردة فيه، مع إلزام كافة الجهات الإدارية بالتعاون مع لجنة تنظيم الحوار. كما أنها يجب أن تكون لديها الكفاءة والحس السياسى لطلب تقديرات مواقف سريعة وعاجلة لموضوعات الحوار من الجهات الأكاديمية المعنية. إضافة إلى ذلك، من المهم أن تكون لجنة التنظيم على اتصال سريع وكفء مع اللجان المنبثقة عن الحوار وأماناتها وقياداتها، للالتزام بالوقت، والتذكير بأجندة الحوار المتفق عليها، والإشراف على كل السمعيات داخل الحوار.