اغفر لى خطيئتى - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 10:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اغفر لى خطيئتى

نشر فى : الجمعة 19 مايو 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 19 مايو 2023 - 8:30 م

فى عقد الستينيات انتشرت لدى الباعة ظاهرة الروايات الشعبية التى يتلقفها الشباب لكتاب دخلوا دائرة النسيان إلى الأبد وأبرزهم خليل حنا تادرس ووفيق العلايلى وإلياس عكاوى وعزيز أرمانى وهو الوحيد الذى فاز بتحويل واحدة من رواياته إلى فيلم سينمائى تم إنتاجه عام 1963 عن روايته «خذنى بعارى» وكان غلاف الراوية معبرا عن حالة الدنس الذى تعيش فيه البطلة ليلى، وقد أخرج هذه الراوية السيد زيادة الذى واجه بعض المتاعب مع الرقابة منها عنوان الفيلم الذى تغير إلى «اغفر لى خطيئتى» باعتبار أن الخطيئة أخف وطأة من العار وأن العنوان الأدبى يعنى أن على الرجل أن يغفر للمرأة تلك المهن الدنيئة التى اضطرت للعمل بها، وعلى كل فإن ليلى ليست سوى واحدة من بنات اضطررن للعمل فى هذه المهنة، وقد رأينا فى أفلام كثيرة داعرات ترى الأفلام أنهن مجبرات على العمل وتوفير المال للأسرة، وهو ما يجلب التعاطف باعتبار أن هذه المرأة ضحية لظروفها الاجتماعية وكثيرا ما تقع فى براثن بلطجى يدفعها إلى أحضان الرجال ويتكسب منها، وهذه المرأة غالبا ما تموت أشبه بضحية يتم ذبحها باعتبار أن المرأة الخاطئة لا يجب أن تُغفر لها خطاياها، وعليها أن تدفع الثمن، بينما الرجل يمكنه أن يتخطى ويستمر فى الحياة دون أن يحاسب.
عزيز أرمانى كاتب غير معروف وجد أن الكتابة عن الداعرات أمر مبرر لاستغلال ما كانت تسمح به الرقابة فى حدود ما، خاصة فى السينما، ولعلنا نذكر الطريقة التى كان يكتب بها إحسان عبدالقدوس رواياته فعندما تخطئ ماجى وترتمى بين ذراعى عشيقها لا يكتب المؤلف التفاصيل ولكنه يترك مساحة من الصفحة البيضاء مليئة بالنقط المتجاورة كى توحى لخيال القارئ أن يصور لنفسه ماذا يحدث فوق النقاط وبينها وأسفلها.
عن نفسى كم حيرتنى هذه الفتاة ليلى إنها بالغة الجمال والرقة شدت انتباه حسين العريس الذى تتولى أمها (الخاطبة) البحث عن عروس له، وفى زيارته الأولى للبيت يرى ابنة الخاطبة فتشد انتباهه ويراها جميلة الجميلات، ويتقرب إليها ويعلن خطبته عليها وتسير الأمور عادية، لكنها ليست أمورا تناسب العقل فالفتاة غير مضطرة للصرف على أسرتها حتى وإن كان أبوها سكيرا لا يكف عن شرب الخمور فإن زوجته هى التى تدبر له الأمر، وليلى هى موظفة تعمل خياطة فى أحد المصانع وتكسب ما يكفيها، فإذا بالفيلم يصدمنا فى سلوك ليلى التى تعمل فى الدعارة بشكل غير علنى، هذا الأمر يصل إلى خطيبها ويبدو منطقيا جدا وعاديا بالنسبة إلى الخطيب فهو مصر فى البقاء مع ليلى حتى آخر العمر ولا يطلب منها أبدا أن تتوقف عن فعلتها، أما والدة حسين فهى ترفض هذه الزيجة وعلى طريقة الأب فى رواية غادة الكاميليا فإنها تذهب وتعرض على ليلى مبالغ كبيرة للغاية مقابل أن تتخلى عن خطيبها لكن ليلى ترفض العرض ولا تعد أحدا ممن حولها بالكف عن هذه المهنة، وكأنها تمارسها للمتعة فقط على طريقة الغانيات المصابات بمرض السوداء، وينتهى الفيلم بأن يقوم مدير الشركة بدفع الرجل الذى تعمل ليلى معه فى المصنع كى يأتى بها لقضاء وقت ممتع، والمضحك أن ليلى تتمنع على مديرها الوقور وفى لحظة توقد ترمى بنفسها من أعلى البناية وتموت بين ذراعى خطيبها.
يا لها من مواقف مليئة بالسذاجة والسخف، وقام بهذه الأدوار نجوم كبار من طراز سميرة أحمد، وكمال الشناوى، ويحاول السيد زيادة كسب تعاطفنا مع العاهرة الشريفة التى قررت التوبة بالانتحار، يذكرنا هذا الأمر بما أسماه جان بول سارتر بالمومس الفاضلة لكن هذه العاهرة ليست أبدا هى نفس المرأة عند الكاتب الفرنسى بل هى تعمل لغرضها الخاص الذى لا يقنعنى.
عن نفسى فأنا أحمد الله أن الفيلم لا يعرض كثيرا على القنوات ولكنه موجود فى اليوتيوب، والغريب أنه عرض منذ أسبوعين فى قناة روتانا كلاسيك وبدا أشبه بنشاذ فى حياتنا منذ ستين عاما حتى الآن، تبا لك من فيلم.

التعليقات