قدم لنا تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» أردأ قراءة يمكن تصورها، لما حدث فيما اصطلح على تسميته بـ«فض اعتصام رابعة»، فما حدث فى حقيقة الأمر كان صراعا على السلطة بين الإخوان وأنصارهم والآكلين على موائدهم، وبين المؤسسة العسكرية التى كانت تدافع عن حقوق ومصالح غالبية أبناء الشعب المصرى، الذين اكتشفوا زيف مافيا الإخوان وأكاذيبهم وتجارتهم بالدين طوال السنة البائسة التى حكموا فيها مصر.
قد يقول البعض إن التقرير قدم «قراءة حقوقية» للواقعة، لكن نفس التقرير قفز إلى نتائج سياسية صرفة، حينما اتهم أمريكا والاتحاد الأوروبى بالتواطؤ مع السلطة الجديدة فى مصر لعدم اتخاذ مواقف ضدها فى مجلس الأمن الدولى، دون أن يقدم أى دلائل أو حتى قرائن على هذا الاتهام. وفى نفس الوقت الذى تقول فيه المنظمة إنها اعتمدت فى تقريرها على «بحث استقصائى ميدانى» استمعت فيه إلى شهادات 200 شخصية من أسر الضحايا وبعض الصحفيين والمحامين، دون أن يكون فيهم ــ بالمصادفة ــ مسئول حكومى واحد، وهو ما يؤكد الانحياز السياسى الصارخ لهذه المنظمة!
بسذاجة منقطعة النظير، يقول التقرير فى فقراته الأولى إن «عمليات القتل فى رابعة ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، لأن هناك أدلة ــ لم يوردها التقرير أبدا ــ أن عمليات القتل هذه كانت جزءا من سياسة تقضى بالاعتداء على الأشخاص العزل على أسس سياسية» بمعنى أن الشرطة قتلت المعتصمين لانتماءاتهم الإخوانية فقط لا غير، لكن فى فقرة تالية من التقرير البائس يرد نصا أن «الغالبية العظمى من المعتصمين كانوا عزلا وسلميين»، بمعنى أن بعض هؤلاء المعتصمين كانوا يحملون سلاحا، وهو ما يتعارض تماما مع الفقرة السابقة، ويفقد الاعتصام فى هذه الحالة سلميته، خاصة أن أول رصاصة انطلقت كانت من وسط هؤلاء المعتصمين السلميين، وأودت بحياة لواء بالشرطة كان يحث المعتصمين عبر الميكروفون بالانصراف من الميدان!
كما وقع التقرير فى خطأ منهجى سافر، يصل إلى حد الخطيئة البحثية، بتجاهله المطلق للخطاب السياسى الهيستيرى الذى تبنته منصة رابعة، بإعلانها الحرب على السلطة الجديدة، وتهديدها بقتل كل من يعارض عودة مرسى للحكم وأن «من يرشه بالماء سيرشونه بالدم». أما فضيحة التقرير الكبرى، فكانت تجاهله التام لرفض خيرت الشاطر رجل الإخوان القوى، فض الاعتصام سلميا، وسعيه الدءوب لوقوع مجزرة فى رابعة، لكى يستخدمها لإسقاط ثورة 30 يونيو، وهو يدرك جيدا أن ضحايا رابعة سيكونون من أكثر الفئات تخلفا ورجعية على المستوى السياسى والفكرى والثقافى فى مصر، والذين رآهم بنفسه وهم يكبرون عندما كانوا يستمعون لأكاذيب الإخوان بأن جبريل يتجول بين المعتصمين، وأن النبى محمد رفض أن يصلى إماما بالرئيس المعزول مرسى وصلى هو خلفه، كما أخبرهم أحد كبار الكذابين فى منصة رابعة!
ورغم ذلك، فأنا أنا لا أشك لحظة واحدة فى أنه كان من الممكن إنهاء اعتصام رابعة بدون أن تسال كل هذه الدماء، فالشرطة تتحمل المسئولية عن هذه الدماء، بلجوئها إلى الاستخدام المفرط للقوة، والذى أعتقد انه يعود لاعتبارين أساسيين، الأول يتعلق بعدم المهنية أو بمعنى أدق بافتقادها كلية، والثانى بالرغبة فى الثأر لهيبتها الزائفة، والتى تتصور أنها فقدتها خلال مواجهات الشوارع مع ثوار 25 يناير. ومع ذلك تبقى هناك مسئولية سياسية وأخلاقية وأدبية يتحملها الرئيس السيسى، تفرض عليه فتح نقاش سياسى واسع حول الواقعة، يشارك فيه الأحزاب والنقابات والقضاء ورجال القانون، لنكشف جميعا الجوانب المظلمة فى حرب رابعة، ومن أشعلها، ومن تجاوز الخطوط الحمراء فيها.