لو كان على بابا على قيد الحياة الآن، لمات كمدا وغيظا، أو لانتحر من فوق كوبرى قصر النيل.. ليس لأن ضميره يعذبه بعد سرقته فلوس الأربعين حرامى، وليس لأنه عاش فى سعادة زائفة مع مدام مرجانة بثروته الحرام.. الرجل سيشعر بالقهر لأنه لم يولد فى عصرنا السعيد، ليصبح مليونيرا، بسهولة، لم تتوافر له فى حياته الأولى..!
على بابا الآن يمكنه أن يشترى آلاف الأمتار من الأراضى بملاليم ويبيعها بملايين، ليصبح مليارديرا فى سنتين أو ثلاث، ولن تكفيه كل بلاليص الدنيا ليضع فيها ثروته.. وبدهائه المعروف كان سيلف ويدور لعله يصبح عضوا فى لجنة السياسات، أو قياديا بحزب معارض، ليبنى علاقات ويعقد صفقات فى الظلام مع نافذين فى الدولة والمجتمع..
ربما سيفكر فى إقامة مائدة رحمن للصائمين، ولكنه بالتأكيد سيبنى مسجدا ليكفر به عن ذنوبه فى الآخرة، وليسهل له، بالمرة،الحصول على أصوات أهل دائرته ليدخل البرلمان.. ولأنه لم يكمل تعليمه، فسوف يفتتح جامعة خاصة يعوض بها عقدة نقصه ــ أو بالأحرى جهله ــ ليتخرج على يديه مئات الطلاب العاطلين.. دون ان ينسى إرسال أولاده للتعليم فى بريطانيا أو أمريكا، وليحافظ على صحتهم بعيدا عن هواء القاهرة الملوث وطعامها المشكوك فى صلاحيته..
فى أوقات فراغه، سيخفق قلبه بالحب لإحدى راقصات الدرجة الثالثة أو لفنانة شابة ضلت طريقها إلى السينما، سيصرف عليها عدة ملايين من الدولارات، ولكنه بالقطع لن يفكر فى ذبحها حتى لو خانته مع طوب الأرض.. ونحن نعرف لماذا؟
على بابا لن يكون روبين هود، ذلك الحرامى النبيل الذى يسرق الأغنياء ليعطى للفقراء، فعلى بابا ابن ثقافة مغايرة شعارها «الطش واجرى»، ولكنه بالتأكيد سيحكى قصة كفاحه ــ بفلوسه ــ لإحدى الصحف الصفراء أو الفضائيات البلهاء..
مشكلة على بابا الوحيدة هى انه سيواجه مليون حرامى بألف شكل ولون، وليس أربعين فقط.. ولكن لأنه ابن سوق وفاهم، فسوف يهرِّب بلاليصه لبنوك سويسرا، وسيشتغل بفلوس الناس المودعة فى بنوكنا الوطنية، خاصة أن طائرته فى المطار جاهزة للإقلاع فى أى وقت!
نعم.. على بابا فاته الكثير، ولكن إن غاب على بابا فكلنا على بابا..أو على الأقل بعضنا!