تجاهل المجتمع الدولى لسنوات تفاقم الوضع فى ليبيا عقب اسقاط حلف شمال الأطلسى «الناتو» نظام معمر القذافى عام 2011، وانشغل المسئولون فى الغرب، والأوربيون تحديدا بخلافاتهم داخل البيت الأوروبى والانسحاب من بعض الملفات لصالح ملفات أخرى مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، أو إعادة ترتيب أوراق وأولويات «الناتو» فى التعامل مع الأزمات الدولية والإقليمية خاصة فى شرق المتوسط.
ونتج عن خفوت الصوت الداعى إلى الانتباه لما يشكله الوضع الليبى المنفلت والغارق فى الفوضى والصراعات بين الميليشيات المسلحة وتسلل التنظيمات الإرهابية، خاصة إلى غرب البلاد، تصاعد المخاوف الأمنية التى تشكل تهديدا ليس لدول الجوار الليبى والأوروبيين وحدهما، بل للسلم الدولى، وفى هذه الأجواء عقد مؤتمر برلين بشأن لييبا الذى انتهت أعماله قبل يومين، بمشاركة مصر و 11 دولة و4 منظمات دولية وإقليمية.
المؤتمر الذى ضم القوى الفاعلة فى الشأن الليبى، سواء التى كانت سببا فيما وصلت إليه الاوضاع الكارثية هناك، أو تلك التى تسعى إلى إيجاد حل يجنب الليبيين مزيدا من الفوضى وسفك الدماء فى ظل إصرار بعض الدول على تسهيل انتقال المزيد من المرتزقة والعناصر الإرهابية إلى الأراضى الليبية بما تمثله من تهديد حقيقى لإيجاد أرضية لحل سلمى ينهى الأزمة ويساعد على حوار «ليبى ــ ليبى» يمكن أن يكون عامل تقريب وتوحيد يقطع الطريق على تقسيم البلاد.
وعقب يوم من المناقشات واللقاءات الجانبية أعلنت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل النتائج التى توصل إليها مؤتمر برلين وأبرزها: التزام المشاركين بـ«تجنب التدخل فى النزاع المسلح فى ليبيا أو فى شئونها الداخلية وحث كل الأطراف الدولية على القيام بالمثل»، فضلا عن الالتزام باحترام حظر الأسلحة (المفروض فى 2011) وتنفيذه بشكل كامل.
وإلى جانب الدعوة إلى تثبيت وقف إطلاق النار ووقف العدائيات بصورة دائمة ودعوة مجلس الأمن الدولى إلى «فرض عقوبات ملائمة على كل من ينتهكون ترتيبات وقف إطلاق النار»، نص البيان الختامى للمؤتمر على نزع سلاح الجماعات المسلحة والميليشيات فى ليبيا وتفكيكها.
المستشارة الألمانية ميركل التى كانت ربة البيت الذى استضاف الاجتماع، اعتبرت مؤتمر برلين بمثابة «خطوة صغيرة» على طريق حلحلة الوضع ووضع خطة شاملة لتسوية الأزمة الليبية، وقالت «أجرينا مشاورات جادة ومكثفة للغاية وتمكنا من الإسهام فى العملية السياسية فى ليبيا وإعطائها دفعة جديدة لنقل السلام إلى البلاد وإلى الشعب الليبى. أؤمن بأن مؤتمر برلين قدم دعما للعملية السلمية تحت رعاية الأمم المتحدة».
وبقراءة متأنية للبيان الختامى وباستثناء التأكيد على الحل السياسى، لم تخرج نتائج المؤتمر عن دعوات لتجنب الصراع العسكرى من دون امتلاك أدوات عملية لتحقيق ذلك، فضلا عن أن العيون كانت مركزة أكثر على قضيتين أساسيتين، هما: المخاوف الأوروبية الدائمة من تدفق المهاجرين غير الشرعيين التى لوح بها الرئيس التركى أردوغان، وما قد يجلبه ذلك من إرهابيين إلى القارة العجوز، وقضية النفط الليبى الذى يسيل له لعاب الجميع.
لم يقدم المشاركون فى المؤتمر ضمانات جادة لتفعيل بعض الدعوات المهمة لحل الأزمة، وألقوا بالكرة إلى الأمم المتحدة التى تقف فى احيان كثيرة عاجزة عن تحريك الوضع إلى الأمام، وربما سيكون اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والمبعوث الأممى الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، بـ«تشكيل لجنة عسكرية لمراقبة الهدنة» تضم 5 ممثلين عن كلا الطرفين (حفتر ــ السراج) محل اختبار فى الأيام المقبلة.
ما يعنينا فى مصر هو ضمان الحل السلمى، وتجنيب ليبيا المزيد من العنف والفوضى، ومنع تدفق جحافل الإرهابيين إليها، لخوض الحروب بالوكالة عن قوى دولية وإقليمية، وضمان أمن حدودنا الغربية ومصالحنا، وأن نكون فاعلين لا متفرجين، فما يجرى فوق الأراضى الليبية قضية أمن قومى مصرى بامتياز.