فى مصر مشكلة كبيرة أسمها التعليم، ومن داخلها مشكلة تتعلق بالمناهج الدراسية. والمناهج فى مصر تعانى من مشكلات كثيرة وذلك وفقا لآخر دراستين واحدة أجنبية أجرتها جامعة هارفارد عام2020، والثانية مصرية خالصة أجريت عام2021 من قبل مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. هكذا يقول د.محمد سالم أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة بورسعيد، وواحد من أنبغ المصادر المصرية والعربية فى هذا الشأن، فى منتدى المجموعة الاستشارية للتعليم والبحث العلمى الذى عقد فى 15يناير الماضى بنادى أعضاء هيئة تدريس جامعة الأزهر.
دراسة هارفارد تقول إن نتائج إصلاح المناهج فى مصر تفتقد إلى القياس عالى الجودة، وأن إحدى المشكلات الرئيسة فى هذا الصدد ترجع إلى عدم قدرة المعلم على اللحاق بالنمو المهنى المقدر.
دراسة مركز دعم واتخاذ القرار ذكرت أن المنهج يفتقد إلى الصلة بينه وبين خطط التنمية، أى إن مخرجاته تتباين مع احتياجات المجتمع التنموية. وأن السبب فى فقدان تلك الصلة يرجع إلى انعدام الرؤية وضعف الإمكانات وضعف البنية التكنولوجية بالمدارس.
والمعروف أن أى منهج يحتاج إلى فلسفة، وتلك الفلسفة هى التى تتوافق مع كل ما يؤمن به المجتمع من قيم سياسية واقتصادية وثقافية. وإذا طبقنا ما سبق على منهج اللغة العربية، وتحديدا منهج الصف الأول الابتدائى الفصل الدراسى الأول، باعتباره باكورة تعليم الطفل وتنشئته. نجد على سبيل المثال ما يلى:
إنه رغم الإدراك العام أنه لا يوجد بيت مصرى لا يوجد به مقاوم كيميائى للنمل، على عكس النحل التى يعشقه كل مصرى، إلا أنه ونتيجة الترجمة من الكتب الأوروبية، واستعارة الفلسفة الأوروبية، يوجد فى كتاب الصف الأول الابتدائى ص57 درس عن حب النمل. وفى ختام الكتاب درس عن «كعك العسل» وهو حلوى أوروبية لا نعرفها فى مصر، وهى تضاهى كعك العيد أو البسكويت أو الكيك فى الثقافة المصرية...إلخ. وهناك درس اسمه (من أكون؟) وعلى الرغم من أهميته التى يتصور معها أنه يتطرق لهوية المصرى، فإنه سرعان ما يجيب الكتاب بـ(أنا مميز) دون تحديد فى أى شىء مميز، وهو ما يخلق لدى الطفل التكبر والتعالى.
وبالانتقال إلى تعليم حروف اللغة العربية، تجد ذات الكتاب يشتت الطفل، فبدلا مما درس ولمدة عقود من أبجدية تبدأ بالألف وتنتهى بالياء، نجد الكتاب يخلو من تسلسل الأبجدية، فيعلم الطفل أولا حرف الألف فالميم فالباء فالفاء فالنون فاللام فالحاء...وهكذا، ما يساهم فى إرباك الطفل، ويسبب له مع الكبر ضعفا فى الإملاء. بعبارة أخرى، فإن حفظ وفهم الأبجدية بترتيبها يفيد عند الكبر فى الكشف فى المعاجم ومراجعة قوائم الأسماء وترتيبها الهجائى، مثلها مثل ترتيب الأرقام 1ثم 2 ثم 3 أو حروف الهجاء الإنجليزية ABCD.
بالطبع تلك الكتب التى تدرس اللغة العربية وحتى الصف الرابع واسمها (تواصل)، تقول مقدمتها التى يفترض أن تحمل فلسفتها، التى تنعكس على المقرر بالداخل، تقول كدليل على الاقتباس من الكتب الأجنبية والفلسفة الأجنبية خلال إعداد الكتب ومناهجها (تتقدم وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى بكل الشكر والتقدير لـ.... ومؤسسة ديسكفرى التعليمية... ومؤسسة لونجمان مصر، ومنظمة اليونسيف، ومنظمة اليونسكو، وخبراء التعليم فى البنك الدولى، وخبراء التعليم فى المملكة المتحدة...). كما وأنها بدلا من أن تطرح فى مقدمتها أهداف الكتاب وقوانين التعلم التى صمم على أساسها، راحت تضع مقدمة مطولة لبعض المسؤليين فى الوزارة.
كل ما سبق وطبق على عينة من علم واحد وهو اللغة العربية، يطرح حتمية مهمة للغاية وهى ضرورة إعادة النظر فى المناهج، بحيث ترتبط بمكونات وقيم المجتمع المصرى الأصيلة، التى هى مستقاة من القيم الفرعونية والعربية والإسلامية. ولذلك من الضرورى أولا تقييم التجربة الحالية بأخذ عينة عشوائية من الطلبة وتقويمها، حتى لا يكون الانطباع عن أن الطلاب بل والخريجين يجهلون قواعد الإملاء والنحو وتخلو أذهانهم من أى قيم نبيلة تحملها الثقافة المصرية. ثانيا، أن تأخذ خطة التنمية المستدامة 2030 مأخذ الجد بدلا من وضعها الحالى الذى جعلته الوزارة مجرد حبر على ورق، وذلك بجعل الجهات المخولة بوضع المناهج مثل مركز تطوير المناهج ومركز البحوث التربوية جهتين ليستا تابعتين لوزارة التربية والتعليم كما هو كائن اليوم، بل جهتين مستقلتين كما تنص خطة التنمية. هنا ستعكف تلك الجهات على تطوير حقيقى للمناهج مرتبط بثقافة هذا البلد، بدلا من كونها اليوم تتبع الوزارة، فهى مجنى عليها ومتهم وقاضٍ فى آن واحد. وثالثا، عرض المناهج قبل تطبيقها لحوار مجتمعى بين التربويين المصريين.