الحرية.. يا لجمالها.. كلمة الأجدر بها أن تُغنَّى من أن تُلفظ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية.. يا لجمالها.. كلمة الأجدر بها أن تُغنَّى من أن تُلفظ

نشر فى : السبت 20 فبراير 2021 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 20 فبراير 2021 - 9:10 م

نشر موقع درج مقالا للكاتب علاء رشيدى، تحدث فيه عن الحرية وقدسيتها للإنسان وأهميتها فى خلق الإبداع والجمال، تناول أيضا الشروط الواجب توافرها حتى نشهد فكرا حرا، أخيرا شدد على دور المثقفين ومسئوليتهم لتوعية المواطنين بالحرية فهم الأقدر على ذلك بسبب مكانتهم الخاصة التى يتمتعون بها بين الناس.. نعرض منه ما يلى.

رافقت هذه الكلمة الفكر الإنسانى عبر التاريخ، إذ تحضر الحرية فى كل الأساطير وملاحم الشعوب وآداب الحضارات وفنون الثقافات، منذ أساطير الرافدين، وملحمة غلغامش، والأساطير اليونانية كما فى حكاية سيزيف وبروميثيوس، وإيكار، وصولا إلى أكثر الإنتاجات الثقافية والفنية الإنسانية معاصرةً.

الحرية والحضارة الإنسانية
فى كتابه «الثقافة والاستبداد» يقدم غسان الجباعى ما يشبه التاريخ الموجز للحرية. لقد ولدت الحرية مع الوعى، ونمت خلال تطور معقد مع مسيرة التجمعات البشرية والديانات السماوية والأحزاب السياسية والقيم الإنسانية. ليبدو وكأن التاريخ الإنسانى كله، ما هو إلا صراع مرير من أجل الحرية، خاضه الإنسان مع قوى الطبيعة أولا، ثم مع أخيه الإنسان تاليا، عند نشوء الملكية والصراع عليها، وصراع الطبقات، وعلاقات الرق والعبودية.

الحرية والقانون
فى التعريف القانونى: «هى الأفعال والتصرفات الحرة البعيدة من الإكراه المادى أو المعنى». أما فى التعريف السياسى «هى الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان». وطورت الثورة الفرنسية 1789 من مفهوم عصر النهضة عن الحرية. واهتم عدد كبير من المفكرين والفلاسفة هوبز، روسو، ديدرو، فولتير بعناية فى الكتابة والتأمل على مفهوم الحرية، وصولا إلى القيم الليبرالية. لكن المؤكد أنه ليس هناك حرية مطلقة، فالعلاقة مع الآخر، الغير، والمجتمع تفرض دوما قيودا وحدودا، ولذلك يعرف الإعلان الفرنسى لحقوق الإنسان الحرية فى المادة الرابعة منه بأنها: «القدرة على عمل كل ما لا يضر بالغير». لنصل إلى التعريف الذى ورد فى الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، بكونها: «الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسانا».

الحرية كغريزة
فى مقدمة كتاب غريزة الحرية، لنعوم تشومسكى، يلخص المترجمان عدى الزعبى ومؤيد النشار نظرة تشومسكى الفلسفية فى الحرية التى تؤمن بأن جميع البشر يولدون بغرائز فطرية رئيسية تشكل جزءا من الطبيعة البشرية المشتركة بين جميع الناس، ومن هذه الغرائز: غريزة اللغة وغريزة الحرية.

الحرية أهى قيمة عالمية، أم تخضع للخصوصيات الثقافية والمناطقية والدينية؟
يسود فى قوانين حقوق الإنسان وأفكاره تياران، الأول يقول بعالمية المعايير والقيم الإنسانية مثل الحرية والمساواة وحقوق المرأة، بينما يدافع التيار الأكثر محافظةً عن الخصوصيات الثقافية والمناطقية فيفرض احترام خصوصيات الدول بعيدا من عالمية المعايير، كما هو الحال فى أفريقيا، فيتحججون مثلا بعدم المساواة بين المرأة والرجل إما للخصوصية الثقافية أو الدينية. فى الرد على ذلك، يعتقد تشومسكى بعالمية قيمة الحرية: «يشكل الإيمان بأن كل الناس يتمتعون بغريزة الحرية، وبطاقات خلاقة حرة وغنية، وبأنهم يستحقون حياة أفضل من استعبادهم من قبل مجموعة طغاة كبار وصغار، محليين أو أجانب، منطلقا لصراعنا من أجل التحرر. والكلام عن خصوصيات ثقافية وعن نسبوية القيم لا يساعد على الإطلاق، بل على العكس، يبرر القمع والظلم فى أغلب الأحيان، فلا توجد خصوصيات فى المعارك من أجل الحرية».

الحرية كقضية
بالنسبة إلى تشومسكى فإن على جميع الناس مسئولية تغيير المجتمع والعمل على رفع الظلم. على أن للمثقفين دورا خاصا، لأنهم يتمتعون بفرصة أكبر لرؤية الحقائق، ويتمتعون بمكانة معينة وحصانة نسبية تتيح لهم أن يجدوا جمهورا يصغى إليهم. المسئولية الثقافية تتجلى بشكل رئيس فى عرض الحقائق وفضح وكشف شبكة الأكاذيب السلطوية، ويرى أن مسئولية المثقفين الرئيسية هى فضح الإيديولوجيا الرسمية التى تتحكم بوسائل الإعلام وبالتعليم وبالخطابات الثقافية المفروضة على المجتمع: «علينا أن نتابع نضالنا من أجل التحرر، دون ضمانات تؤكد لنا أن هذا النضال سينتصر، هذا هو قدر الإنسان، تحركه غريزة غامضة نحو الحرية».

الحرية والجمال
ويربط الفيلسوف بريتراند راسل بين الحرية والقدرة على تلمس الجمال: «من الفكر المقيد تنتج سلوكيات الإذعان، أما من الفكر الحر فينبع كل عالم الفن والفلسفة، ورؤيا الجمال التى من خلالها أخيرا ينتصر الإنسان مجددا. ولكن رؤية الجمال ليست متاحة إلا للتأمل الحر. والتفكير الحر لا يقبل الدوغمائيات الدينية التقليدية. والأذى الأساسى الذى تسببت به الأديان يمكن إرجاعه بشكل رئيس إلى أنها منعت التفكير الحر.

الحرية والاختلاف.. إلى أى مدى؟
فى محاضرته التفكير الحر والبرباغندا الرسمية، 1922، يشرح راسل أن الشرط الأول، كى يكون الفكر حرا، هو غياب العقوبات القانونية المتعلقة بالتعبير عن الرأى. يخسر التفكير المجتمعى حريته عندما تفرض عقوبات قانونية على من يحملون آراءً أو معتقدات مغايرة، بينما يتحقق التفكير الحر عندما تتنافس الآراء المختلفة بحرية، أى عندما تستطيع جميع الآراء عرض قضيتها، من دون فرض أى عقوبات مالية أو قانونية على هذه الآراء.

الإيمان بالشك
يكتب راسل: «المطلوب ليس إرادة الإيمان، بل إرادة البحث، والتى تشكل بالضبط النقيض لها. وأود من جهتى أن أبشر بـ«إرادة الشك» بدلا من إرادة الإيمان. كل معتقداتنا ليست دقيقة تماما يلفها الخطأ والغموض، وطرق تطوير المعرفة الإنسانية معروفة جيدا، وتكمن فى عملية الإنصات إلى كل الأطراف، ومحاولة التحقق من كل الوقائع ذات الصلة، والتواصل عن طريق النقاش مع من يحملون انحيازات مختلفة، وتطوير استعداد للتخلى عن أى فرضية ثبت خطؤها». يوصى راسل بالشك، فالتاريخ يبين أن الأكثر الحقائق علميةً فى عصر قد يثبت عدم صحتها فى فترة لاحقة.

الحرية والعامل الاقتصاد»
راسل هو من يتطرق إلى العلاقة بين الحرية والاقتصاد، فالتفكير لا يمكن أن يكون حرا إذا لم يسمح لمن يعتنق آراءً معنية أن يمارس مهنة يعتاش منها. وقد نبه راسل باكرا إلى احتمال لجوء السلطات إلى استعباد المجتمعات عبر منح الوظائف لداعمى أيديولوجياتهم، وإقصائها عن الآخرين، وهو ما سيؤدى برأيه إلى تجويع الشعوب لتركيعها، وهذا ما اتهم به النظام السورى واللبنانى مثلا.

مناهج التعليم أساس الحرية
يعتقد راسل أن الأنظمة التعليمية السائدة لا تطور الفكر النقدى والمساءلة والشك، فالتاريخ المدرسى مثلا يشوه ويحرف بما يخدم مصالح السلطات الحاكمة، وهذا الغياب للحس النقدى فى التعليم سيضع نهاية لكل فرصة للتقدم أو الحرية أو المبادرة الخلاقة: «سيطرة رؤية واحدة على التعليم تجعل منه إحدى العقبات الرئيسية أمام الذكاء وحرية التفكير، والسبب الرئيس لذلك يكمن فى احتكار الدول للتعليم». ولذلك، يجب أن تكون غاية المؤسسات التربوية الديموقراطية هى تشكيل القدرات على وزن الحجج المختلفة والانفتاح العقلى، وإلا فإنها ستنتج أجيالا ستعبر من الولادة إلى الموت من دون أن تترك أثرا فى تاريخ الإنسانية.
فى الرد على مقولة: «الشعب العربى مو خرج حرية، أو الشعب السورى أو اللبنانى ما بيلبقلوا الحرية». يرفض كانط مقولة إن أناسا بعينهم ليسوا مستعدين للحرية، وفى هذا رد على القائلين بأن الشعب العربى غير قابل للحرية، فقد راجت هذه المقولات فى بدايات الربيع العربى وخصوصا فى سوريا وحتى اليوم، فيعتبر كانط أن هذا الخطاب يجعل الحرية مستحيلة: «إذا قبل المرء بهذا الافتراض، فالحرية لن تنال أبدا، لأن المرء لن يستطيع الوصول إلى النضج اللائق بالحرية إن لم ينلها بدايةً، على المرء أن يكون حرا كى يتعلم كيف يستخدم قواه بشكل حر ونافع. فالإنسان يكتسب الفكر فقط من خلال تجاربه الخاصة، وعلى المرء أن يكون حرا كى يختبر هذه التجارب». وبالتالى، يضع كانط الحرية فى إطار الممارسة التى لا يمكن اكتسابها إلا بالتجريب، وليس بالقابلية أو الاستعداد والتهيئة المسبقة للحظة المناسبة، بل هى تراكم الخبرة فى الخيارات والتجارب.

الحرية والثقافة والفن
يعتبر المسرحى غسان الجباعى أن الحرية شرط إبداعى فى الفنون، بينما يجعل حازم النهار فى نصه «صناعة الفن الحر من الحرية»، العنصر الرئيسى الدافع للفن الطامح إلى ممارسة دور إيجابى ومؤثر فى حياة البشر. والمعنى البديهى لذلك هو استقلالية الفن عن السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية والأيديولوجيات السائدة والمؤسسات الدينية والمصالح الطبقية: «يتوجب على الفن أن يكون حرا حتى ولو لم يتوافق مع المزاج العام للناس، خصوصا فى المجتمعات المتأخرة، فدوره فى هذه الحالة هو الارتقاء بأمزجتهم، لا مسايرتهم. الفن الحر نشاط إنسانى لا يتقبل السمات الأيديولوجية والدينية والمذهبية والعرقية، فهو يعيش كلما كان أكثر اندماجا بالحرية وقيم الخير والعدالة والجمال والحقوق الإنسانية». لكن وبالقابل، فإن الفن أيضا قد يخدم مصالح الاستبداد مما يمكنه من المحافظة على مرتكزاته فى المجتمع واستمرار تحكمه فى السياسة والاقتصاد. وبالتالى، فالفن إما أن يذكى روح الشك والتساؤل والتمرد والتغيير، وإما روح الاستكانة والقبول والخنوع والمحافظة على الوضع القائم. من هنا تصبح السيطرة على الفن والعملية الفنية واحدة من أولويات الاستبداد وأهدافه الضرورية، فيتحكم بالمسارح والسينما والتلفزيون واتحادات الكتاب ونقابات الفنانين، ويلجأ إلى استصدار القوانين وتجنيد العناصر البشرية الضرورية لتحقيق هذه السيطرة.

النص الأصلى: هنا

التعليقات