فى نصف المسافة بين «السخافة» و«المؤامرة».. احتار عقلى ــ ولا يزال ــ فى تحديد مواقف وأهداف بعض دعاة الفضائيات الذين تحول أكثريتهم إلى مليونيرات بفتاويهم التى تراوحت بين العلاج ببول الإبل وإرضاع الكبير، إلى وجوب قتل توم وجيرى لأن الفئران من جنود إبليس يسيرها الشيطان.. وغيرها من الفتاوى التى «مرمطت» سمعتنا فى مختلف أنحاء الأرض!
أما النوع الثانى من الفتاوى الذى أخشى أنه يقترب من حدود التآمر على عقولنا، فمن أمثلته القريبة ما قالته الدكتورة سعاد صالح حول فتح باب التبرع لمساعدة التائبات والمغتصبات على استعادة عذريتهن، حتى يتزوجن من «عرسان الغفلة» وأكاليل الشرف، والعفة تزين رءوسهن باعتبار أن «أحلى من الشرف ما فيش» أو على طريقة «قالوا للحرامى احلف قال جالك الفرج».
مثل هذه الفتوى تدمر تماما كل ما جاء به الإسلام، لأنها تعتمد على الغش والخديعة فى إبرام عقد الزواج، وهو ما يجعلنا نسأل الدكتورة سعاد عما إذا كانت فتواها تبيح أيضا الغش والتدليس فى جميع العقود التجارية وفى إيصالات الأمانة والكمبيالات والامتحانات وغيرها ثم التوبة بعدها.. أم أنها مقتصرة على عقود النكاح فقط؟ ولماذا؟!.. وهل تدرى الدكتورة أنه بنفس مفهوم الشرف الذى تقدمه لنا هذه الفتوى يمكن لكبار الفاسدين قبول الرشاوى بأسماء حركية مثل الإكراميات والعمولة والسمسرة، وضميرهم مستريح!
وفى بيئة مثل هذه يتربى أطفال المستقبل.. ينافقون رؤساءهم لتحقيق أهدافهم، أو يسرقون بلا تأنيب ضمير.. وتقع فيه بناته فى المحظور ويتبن بعد ذلك وتتكفل فتوى الدكتورة سعاد بإعادة عود الكبريت إلى ما كان عليه.. وتدور الدائرة مرة أخرى فى أجيال قادمة.
هذه النوعية من الفتاوى هى التى تبنى المجتمعات الإسلامية فى نظر دعاة الفضائيات الذين أصابتهم كلهم نوبة خرس جماعى عندما تتعلق الأمور بالتوريث أو العدل الاجتماعى، رغم أنها فى حقيقتها هى التى تهدم المجتمعات، وتنخر كالسوس فى أسسه الأخلاقية، وتمهد الأرض أمام أولاد وبنات يكبرون على الكذب والنفاق والخوف باسم الدين!
إن مجتمع يعتاد فيه نساؤه الغش والخداع لادعاء الشرف، كما تريد هذه الفتوى، هو مجتمع فى الحقيقة بلا رجال.. بل أشباه رجال!