نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب تناول فيه الجهود الروسية للتقريب بين أنقرة ودمشق، على غرار المصالحة السعودية الإيرانية بوساطة صينية، لكن هذه الجهود يقابلها العديد من التحديات الإقليمية... نعرض من المقال ما يلى. الموقف هنا شديد التعقيد. فالانقلاب فى المشهد الإقليمى، لا يكتمل قبل اتضاح نتائج الانتخابات التركية فى 14 مايو المقبل، هل يتمكن الرئيس رجب طيب أردوغان من البقاء لولاية ثالثة، أم تطيح به المعارضة عبر مرشحها كمال كليتشدار أوغلو، الذى يحمل أجندة إقليمية مختلفة، وكان معارضا منذ البداية للتدخل التركى العسكرى فى سوريا ولدعم فصائل سورية بالسلاح والمال.
رفع الرئيس السورى بشار الأسد سقف شروط اللقاء مع أردوغان إلى مستوى سحب القوات التركية من سوريا، وعدم القبول بمقولة وزير الدفاع التركى خلوصى آكار أن الوجود العسكرى التركى فى سوريا «ليس احتلالا». موقف الأسد جاء من موسكو بعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين، مما يعنى أن الكرملين يتناغم مع المطلب السورى.
الشرط السورى جعل أردوغان يتريث أكثر فى الذهاب خطوة أبعد فى إثارة المزيد من الغضب الأمريكى ضده قبيل الانتخابات. بل على العكس، أرجأت أنقرة الاجتماع الذى كان من المزمع عقده بين معاونى وزراء خارجية دول «منصة أستانا»، وهى روسيا وتركيا وإيران مع سوريا فى موسكو فى 15 و16 مارس الحالى، للبحث فى خطوات المصالحة التركية ــ السورية. بدا أن أنقرة تريد تعاونا أمنيا مع سوريا ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية التى تعتبرها تركيا امتدادا لـ«حزب العمال الكردستانى»، فضلا عن السماح بعودة اللاجئين السوريين.
ورقة كان يريد أردوغان الحصول عليها من سوريا قبل الانتخابات المقبلة لتعزيز تحالفه مع حزب العمل القومى بزعامة دولت بهشتلى المعروف بمواقفه المتصلبة حيال المسألة الكردية. هى سياسة شراء الوقت فى مقابل عدم تقديم تنازل جوهرى تركى لدمشق. أضف إلى ذلك، أن أردوغان يحتاج فى هذا الظرف الدقيق الذى وضعه فيه الزلزال المدمر الذى ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا فى 6 فبراير الماضى، إلى مهادنة أمريكا فى هذه اللحظة الحاسمة بالنسبة إلى مستقبله السياسى، فكانت موافقته مثلا على بدء إجراءات المصادقة فى البرلمان التركى على انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسى. ومن الآن وحتى موعد الانتخابات قد تلبى ستوكهولم «المعايير» التركية للقبول بها أيضا فى الحلف.
• • •
الجمود على المسار السورى ــ التركى، لا يحول دون تحولات إقليمية أخرى فرضها واقع الاتفاق بين الرياض وبكين.. والأنظار تتجه إلى ميادين الاختبار لهذا الاتفاق. ولعل الساحة اليمنية هى قاعدة الانطلاق، كونها الأزمة الأكثر إلحاحا التى تريد السعودية إقفال ملفها من جانب، بينما من جانب آخر، تريد إيران إثبات قدرتها على التدخل الإيجابى فى أزمات المنطقة وتعزيز المصالحة الإيرانية ــ الخليجية. وليس من قبيل الصدفة أن الأطراف اليمنيين شرعوا فى اليوم الثانى لإعلان اتفاق بكين فى مفاوضات تستضيفها جنيف من أجل مبادلة أسرى الحرب. وبكثير من الارتياح، تنظر دمشق إلى اتفاق بكين الذى ينأى بسوريا عن أن تكون ساحة صراع بالوكالة بين السعودية وإيران، والتقارب الحاصل بخطى متسارعة بين طهران والعواصم العربية من الخليج وحتى مصر، وهذه التطورات من شأنها أن تفتح آفاقا أمام الانفراج السورى ــ العربى أيضا. وكلام الأسد عن السعودية خلال زيارته لموسكو، كان لافتا للانتباه إذ قال إن السعودية «اتخذت منحى مختلفا منذ سنوات ولم تعد تتدخل فى الشئون الداخلية لسوريا». كلام يتناغم مع قول وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان، إن الدول العربية فى حاجة إلى مقاربة جديدة حيال الأزمة السورية.
• • •
بعد زلزال السادس من فبراير، خشيت الولايات المتحدة أن يبنى الأسد على المساعدات الإنسانية التى قدمتها الدول العربية، كى يفك طوق العزلة الإقليمية عن سوريا. وحرصت الولايات المتحدة على التكرار أكثر من مرة على ضرورة عدم خروج المسألة الإنسانية إلى الحيز السياسى، وأكدت معارضتها التطبيع مع دمشق. يحصل ذلك عند كل منعطف يُشتم منه إمكان حصول انفراج سياسى واسع بين سوريا والدول العربية. بعد زيارة الأسد لموسكو، صدر بيان أمريكى ــ بريطانى ــ فرنسى ــ ألمانى يرفض التطبيع مع دمشق قبل تحقيق تقدم نحو حل سياسى للأزمة السورية.
من المؤكد أن مناخات التوافق الإقليمى الحاصلة برعاية صينية وتلك التى تضطلع فيها روسيا بدور أساسى، إذا استمرت بالتدحرج الإيجابى، من شأنها أن تطوى عقودا من الرعاية الأمريكية لإدارة الأزمات فى الشرق الأوسط. ورب سائل هل ستقف أمريكا متفرجة على المنطقة تنزلق من بين أصابعها. الإجابة بلا قاطعة. ويتعين النظر إلى التوتر الإسرائيلى من الضفة إلى غزة ولبنان، وكأن هناك مسعى لتخريب ما يجرى وإعادة الأمور إلى ما قبل اتفاق بكين.
والسؤال ما الثمن الذى تريده الولايات المتحدة لترك الأمور سائرة فى مجراها. السعودية كى تؤكد على التوازن فى سياساتها أعلنت عن صفقة طائرات «بوينغ» أمريكية بقيمة 37 مليار دولار بعد يومين من اتفاق بكين. لكن الرئيس جو بايدن الذى يستعد لإعلان ترشحه لولاية رئاسية ثانية يحتاج إلى عودة إيران إلى الاتفاق النووى فى أسرع وقت ممكن! خطوة كهذه وحدها يمكن أن تعيد التوازن السياسى مع الصين فى الشرق الأوسط.
النص الأصلي