الديمقراطية وأسوأ الأنظمة - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديمقراطية وأسوأ الأنظمة

نشر فى : السبت 20 يونيو 2020 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 20 يونيو 2020 - 9:15 م

بدعوى اتخاذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة أى خطر يهدد ثورة يناير، أصدر الرئيس الراحل محمد مرسى إعلانا دستوريا جديدا فى نوفمبر 2012، منقلبا بذلك على القواعد التى أوصلته إلى قمة السلطة، فالرجل الذى قبل دخول اللعبة السياسية وفق قواعد محددة سلفا قرر بعد وصوله إليها أن ينسفها ويخلق واقعا جديدا، فضرب من حيث لا يقصد شرعيته السياسية والدستورية.
تخيل مرسى أنه بتحصين قراراته ضد الطعن وتدخله فى أعمال السلطة القضائية، ومنح نفسه الحق فى اتخاذ تدابير تحول دون «تهديد سلامة الوطن وإعاقة مؤسسات الدولة عن أداء دورها»، أنه سيثبت حكمه ويمكن جماعته ويحاصر خصومه، لكن ما حدث هو العكس، فالإعلان الدستورى كان المعول الذى ضرب أسس شرعيته.
رفض معظم الشعب حينها محاولة «الإخوان» الانقلاب على قواعد اللعبة والشروع فى بناء نظام ديكتاتورى لا يختلف كثيرا عن نظام مبارك، ودفع الخوف على مستقبل الدولة المصرية تحت حكم الجماعة الملايين إلى النزول للشوارع، فحلم الدولة المدنية الديمقراطية التى بشرت بها ثورة يناير كاد يتحول إلى كابوس.
اعترف مرسى فى حوار نشرته جريدة «الجارديان» البريطانية فى 30 يونيو 2013 ولأول مرة بأنه «نادم على الإعلان الدستورى الذى منحه سلطات واسعة»، وقال إن ذلك الإعلان «ساهم بصورة ما فى إشاعة حالة من سوء الفهم فى المجتمع»، مؤكدا أن عزوف المعارضة عن المشاركة فى العملية السياسية أدى إلى المأزق الذى تمر به البلاد.
اعتراف مرسى بالذنب جاء متأخرا، وإعلانه الندم صدر بعد أن سبق السيف العذل، فالواقع كان قد تغير بالفعل. أسقط المصريون حكم جماعة أرادت أن تستخدم الآليات الديمقراطية فى الوصول إلى السلطة، وما أن تصل إليها تعطى ظهرها لتلك الآليات، فتنقلب على مبادئ الحرية والمشاركة والتعددية وتداول السلطة وتشرع فى تأسيس نظامها الخاص.
فعلها هتلر عندما وصل حزبه النازى إلى حكم ألمانيا من خلال الصناديق، وبعد وصوله للحكم حظر الأحزاب وخنق حرية الرأى وتخلص من الخصوم لينفرد بالسلطة وحده لا شريك له، وانتهت التجربة بهزيمة ألمانيا وانتحار الفوهرر، لتصبح تجربته فى الحكم نموذجا يُدرس فى فشل الأنظمة المثيلة.
قبل أيام، وأثناء مناقشة مجلس النواب تعديل قوانين الانتخاب قال رئيس البرلمان على عبدالعال إن «هناك خلافا عالميا حول الديمقراطية كنظام انتخابى، والبعض يراها أسوأ الأنظمة».
الفقيه الدستورى الذى وصل إلى موقعه عبر آليات ديمقراطية سمحت بانتخابه رئيسا للبرلمان استشهد بما ردده أحد القادة السياسيين الذى اعتبر أن الديمقراطية من أسوأ النظم السياسية، «يسود خلاف عليها، والعالم كله يبحث عن صياغات سياسية جديدة، وهناك أوراق بحثية تبشر بأنظمة سياسية جديدة».
كلام رئيس البرلمان جاء فى معرض رده على بعض النواب الذين تحفظوا على النظام الانتخابى الذى يجمع بين «الفردى» و«القائمة المغلفة المطلقة»، التى تهدر أصوات ما يقرب من نصف الناخبين، وتقضى على التنوع السياسى والحزبى داخل البرلمان المقبل.
نظريا، صعد رئيس البرلمان إلى موقعه عبر آليات ديمقراطية، بل إن نظامنا السياسى كله وفقا للدستور قائم على «أسس الديمقراطية والتعددية وتداول السطة، والفصل بين السلطات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته».
حديث رئيس البرلمان جزء من سياق عام داخل أروقة الحكم، غالبية المسئولين فى مؤسسات السلطة غير مقتنعين بأنهم وصلوا إلى مواقعهم عبر الآليات التى منحت الشعب الحق فى اختيارهم وعزلهم، وغير مؤمنين بمبادئ المشاركة والتعدد وتداول السلطة واحترام الرأى الآخر.
إذا كان البعض يراهن أن الأمور ستمضى هكذا إلى ما لا نهاية، فعليه أن يعود إلى تجارب التاريخ التى أثبتت أن إغلاق منافذ التعبير وإقصاء المخالفين يدفع فى اتجاه التغيير الجبرى، ساعتها لن ينفع ندم ولن يُغفر ذنب.

التعليقات