يستطيع الحزب الوطنى بإجراءات بسيطة تؤكد موهبته فى فنون التزوير، أن يحقق أغلبية كاسحة فى البرلمان القادم، وأن يفوز بنسبة 100% من المقاعد.. ويستطيع أيضا ــ إذا أراد ــ أن يحافظ على «شكله الديمقراطى» أمام العالم الخارجى، وأن يسمح بعدد محدود من المقاعد تفوز به المعارضة.. كما أنه يستطيع باستخدام أغلبيته الزائفة أن يحجب خلال دورات البرلمان المتعاقبة كل الأسئلة أو الاستجوابات ومشاريع القوانين التى تقدمها المعارضة..
كما يستطيع الحزب ــ برمشة عين من أحمد عز ــ أن يجمع نواب الأغلبية للتصويت مع قانون ما، أو ضد قانون آخر، كما يمكنه أن يطيح بأى نائب يخرج عن الخط!
يستطيع الحزب الوطنى أن يفعل كل ذلك وأكثر، ولكن عليه أن يدرك أنه يرتكب جريمة كبرى تتمثل فى قتل وتشويه الحياة النيابية مع سبق الإصرار والترصد، واتخاذ قرارات حكومية مشكوك فى شرعيتها، قد يصل الأمر إلى التشكيك فى إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية، حيث يلقى الرئيس الجديد اليمين الدستورية أمام برلمان ملعوب فى نتائجه ومشكوك فى شرعيته.
ولأن كل الشواهد وآخرها «مهزلة الشورى» تنبئ بأن انتخابات مجلس الشعب المقبلة ستكون هى الأخرى مزورة، فإن الدعوة التى يتبناها حزب الجبهة لمقاطعة الانتخابات لها وجاهتها، لأن الاشتراك فى «انتخابات مضروبة» يشبه تماما تناول أطعمة مسرطنة قد تقى من الجوع لفترة من الوقت، ولكنها بالقطع تؤدى إلى الموت المؤكد..
ومن هنا فإن رفض أحزاب المعارضة الاشتراك فى انتخابات تدرك أنه سيتم تزويرها يعنى رفضها لجريمة قتل المصريين سياسيا وإهدار حقوقهم الأساسية فى اختيار ممثليهم بحرية.. وقبل ذلك كله قتل البقية الباقية من مصداقية هذه الأحزاب عند جماهيرها..!
وقد أعجبنى ما أعلنه د. السيد البدوى رئيس حزب الوفد بأنه إذا لم تتحقق الضمانات الانتخابية فإنه سوف يدعو الجمعية العمومية لحزب الوفد فى17 سبتمبر لاتخاذ موقف من مسألة خوض انتخابات مجلس الشعب من عدمه..
وأتصور أن على أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدنى أن تبدأ من الآن فى بحث الحد الأدنى من الضمانات المطلوبة لنزاهة الانتخابات، بحيث تتفق عليها جميع فصائل المعارضة مع الحزب الوطنى.. وقد يستطيع الوفد مع الإخوان والناصريين والتجمعيين أن يطرحوا فى أسرع وقت ممكن ورقة نقاش حول هذه الضمانات..
فالشهور المقبلة ستكون حاسمة فى تحديد ما سيحدث خلال السنوات الخمس المقبلة.. فإما أن نتقدم خطوة حقيقية نحو الديمقراطية، وإما أن نظل محلك سر نحرث فى البحر ونحن نستمع إلى شعارات جوفاء حول أزهى عصور الديمقراطية.. فى حين تزداد حياتنا هوانا على هوان بانتخابات مزورة، تقتل أرواحنا بمزيد من القيود والممارسات الاستبدادية!