بمرور الوقت يكتسب الفريق عبد الفتاح السيسى المزيد من الشعبية وسط ملايين المصريين، وبدأ الكثيرون ينظرون إليه باعتباره رئيس مصر المنتظر، فالرجل يمتلك الشجاعة والكاريزما، وطهارة اليد، والذكاء السياسى الذى ظهر واضحا فى إدارته للمعركة الشرسة ضد الإخوان، ونجاحه فى وقف محاولتهم لسرقة الدولة، بعد سرقتهم لثورة 25 يناير.
ورغم ذلك، فإن المعركة الحقيقية التى يخوضها أنصار السيسى لترشيحه للرئاسة تصطدم بالعديد من الوقائع التاريخية التى تحد من قدرتهم على تحقيق أهدافهم.. فعبد الناصر الذى رفع شعار تطبيق الديمقراطية السليمة ضمن أهداف الثورة الستة، كان ديكتاتورا بإمتياز وأقام دولة شمولية زلزلت أركانها نكسة 67.. والسادات الذى حارب اسرائيل المدعومة من الغرب، فتح أبواب مصر لأمريكا تفعل بها وفيها ما تشاء، ووقع اتفاقية كامب ديفيد بكل ما فيها من انتقاص لسيادتنا على كامل أراضينا وبالتحديد فى سيناء.. أما مبارك الذى قال فى بداية حكمه إنه لا يريد أكثر من مدتين فى الحكم، وإن الكفن ليس له جيوب،فقد أجبرته ثورة يناير على التنحى وترك السلطة، بسبب رغبته فى توريث الرئاسة لابنه جمال، ورعايته الشخصية هو وولداه لدولة الفساد والمفسدين، فى أكبر عملية نهب للمال العام لم تشهدها مصر ربما طوال تاريخها كله!
انحياز السيسى للأغلبية الساحقة من المصريين فى معركتهم ضد حكم الإخوان الفاشى، وضد رئيسهم المعزول محمد مرسى، شجاعة تحسب للرجل الذى وضع رقبته على كفيه، وهو يواجه تنظيما إرهابيا مسلحا، تتقاطع مصالحه مع قوى صهيونية بارزة فى واشنطن، تؤيده وتحميه لتحقيق مصالح إقليمية مهمة للغرب ولإسرائيل، ومع ذلك فإن شجاعة السيسى ووطنيته لا تكفى وحدها لضمان الفوز فى معركة الشعب المصرى ضد الإخوان، خاصة وأن محاولات الإخوان لتدويل الأزمة المصرية، وصولا إلى الاستعانة بقوات حلف الأطلنطى لإعادتهم للحكم، لاتزال مستمرة على قدم وساق!
السيسى يحتاج إلى تبنى برنامج سياسى ــ اجتماعى واضح، ينحاز إلى الأغلبية المطحونة من المصريين، ويحقق الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة القومية، وإصلاح منظومة الأجور، وعودة الدولة لتلعب دورها فى التنمية الاقتصادية، وفى إصلاح منظومة التعليم الذى شوهته الطبقية الصارخة بين المدارس والجامعات الخاصة والحكومية، وفى تقديم الخدمات الصحية المجانية لغير القادرين، والاهتمام بشئون الثقافة والفكر التى غيبت عن عمد طوال فترات حكم السادات ومبارك ومرسى.. إلى آخر ما قامت من أجله ثورتا يناير 2011 ويونيو 2013.
بدون هذا البرنامج، لن يستطيع الشعب المصرى التخلص فعلا من مافيا الإخوان، وستكون ثورة يونيو مجرد لعبة كراسى موسيقية بين أجنحة نظام مبارك فاز فيها العسكر على الإخوان، ولكن مع هذا البرنامج بكل زخمه الجماهيرى، يستطيع السيسى اللعب بعدة أوراق مهمة لمواجهة تهديدات أمريكا وأوربا الغليظة بوقف المساعدات الاقتصادية لمصر، ومنع توريد الأسلحة وقطع الغيار العسكرية لها، كما صرحت بذلك المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وأعضاء كبار بالكونجرس الأمريكى من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، من هذه الاوراق الaاتجاه ناحية روسيا وإعادة تأسيس نظام عربى جديد، والمطالبة بتعديل اتفاقية كامب ديفيد ردا على قطع المعونات.. وقبل ذلك كله التمسك ببناء نظام ديمقراطى تحميه الجماهير، ويقطع على الغرب الطريق للتدخل السافر فى شئوننا الداخلية.