الإسكندرية مدينة بلا كتب - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسكندرية مدينة بلا كتب

نشر فى : الثلاثاء 20 سبتمبر 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 سبتمبر 2022 - 8:00 م

«لأن المنفى قد يطول» فكرت عائلة أحد أصدقائى السوريين الذين استقروا فى النرويج فى البحث عن وسيلة لتمضية الوقت هناك، فذهبوا إلى مكتبة عامة تقع فى المدينة الصغيرة التى سكنوا فيها، وهناك وجدوا مؤلفات حديثة لبعض الروائيين العرب، اختارتها بلدية المدينة اعتمادا على قرارات صدرت عن لجنة تم تشكيلها هناك وضمت بعض هؤلاء الوافدين، الذين اقترحوا عناوين كتب اشترتها البلدية من ميزانيتها، ووضعتها فى المكتبة تلبية لحاجات هؤلاء.

 احتفل أصدقائى باكتشافها كأى كنز وراحوا يضعون أغلفتها على صفحاتهم بوسائل التواصل الاجتماعى مما أثار أحقاد المواطنين الذين يعيشون فى أوطانهم دون الحصول على مثل هذا الحق.

أما فى الإسكندرية التى تعتبر العاصمة الثانية لمصر، فقد كتب روائى بارز هو سعيد سالم حائز على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب على صفحته بـ«فيس بوك» مطالبا وزيرة الثقافة الجديدة الدكتورة نيفين الكيلانى بالبحث عن حل يضمن وصول إصدارات الوزارة من الكتب إلى المدينة بعد أن تم اخلاؤها تقريبا من أهم المراكز الثقافية التى كانت تعمل فيها وأصبحت ــ كما قال الروائى الكبير ــ أقل من قرية نائية، بعد ان صدر حكم قضائى بتسليم مقر المكتبة التى كانت تملكها هيئة الكتاب فى قلب شارع سعد زغلول للورثة مثلما جرى فى مقر اتيليه الإسكندرية.

وحاليا لا يوجد منفذ بيع واحد بطول المدينة وعرضها لبيع الكتب المدعومة من الدولة والتى تباع للشعب بأسعار رمزية، 

يرثى سالم مدينته التى تم تجريدها من أهم معالمها الثقافية وقال إنها بحاجة إلى من ينقذها من هذا الوضع المحزن والخطير».

 وقبل هذه الرسالة كتب الشاعر إبراهيم المصرى نفس المعنى تقريبا، مشيرا إلى طبيعة ما تعيشه الإسكندرية من فقر ثقافى بعد اغلاق منفذ البيع الوحيد الذى كان متاحا فيها. بينما لم يتم مثلا التدخل لوقف بيع الكتب المزورة فى محطة الرمل رغم ما تسببه من خسارة فادحة للناشرين والمؤلفين.

يثير ما كتبه سعيد سالم وإبراهيم المصرى العجب فعلا، خاصة إذا قارنته مع ما جرى فى النرويج، ناهيك عن أن المواطن هنا يعانى من نقص اعداد المكتبات العامة فضلا عن ندرة العناوين الجديدة كما ان المحافظات كلها تفتقر لمنافذ بيع للكتب التى تدعمها الدولة. وهذه مأساة أخرى.

نعرف من أدبيات السياسات الثقافية ما يثار من نقاشات دائمة حول أهمية تحرر المخطط الثقافى من هيمنة العاصمة لكى تتاح الخدمة للجميع وهناك جدل مماثل يدور حول دور البلديات أو المحليات فى دعم الخدمة الثقافية بل والتخطيط لها 

 ولعل البعض لا يعرف أنه فى الإسكندرية على سبيل المثال يوجد تشكيل موازٍ للمجلس الأعلى للثقافة لكنه يشكل بترشيح من المحافظ وليس من وزارة الثقافة ومثل هذه المجالس لا تؤدى دورها ابدا سواء فى التخطيط أو التنفيذ او المتابعة فهى مجالس شبه صورية.

وطوال السنوات العشر الأخيرة كان يجرى الحديث عن العدالة الثقافية ولك أن تتخيل مدى مصداقية هذا الشعار إذا تأملته على ضوء حالة مدينة بحجم الإسكندرية يزيد عدد سكانها على ٦ ملايين نسمة ويشهد أهلها ببؤس حالتها الثقافية 

ولك أن تتخيل ما يعيشه سكان نجع صغير يقع فى أقاصى الصعيد من غياب تام للخدمة الثقافية.

تشير حالة الإسكندرية إلى كارثة متكاملة الأركان، فالمدينة كما نعرف جميعا وقعت أسيرة حصار سلفى امتد لنحو أربعين عاما وأفرز مشايخ لهم مواقف وفتاوى تكفيرية شائعة مناهضة للابداع والمبدعين.

وفى المقابل شهدت المدينة تراجعا واضحا فى منابرها الثقافية المدنية وتوقفت غالبية مجلاتها المستقلة عن الصدور ولم تعد مهرجاناتها الفنية المستقلة قادرة على الاستمرار.

يحدث ذلك على الرغم من أن المدينة تضم واحدة من أكبر مكتبات العالم وهى مكتبة الإسكندرية التى تحولت عبر عمرها إلى ملحق لمكتبة الجامعة واكتفت فى الغالب بتقديم خدمات الإعارة والإطلاع للطلاب الذين ينسخون المعلومات وينقلونها من الكتب.

وبعد كورونا افتقدت المكتبة للأدوار التى كانت تؤديها عند بدء انطلاقها سواء باستضافة علماء حازوا جوائز دولية أو اسماء بحجم امبرتو ايكو أو المخرج مارتن سكوسبزى. 

وبسبب توقف حركة السفر الدولى لأكثر من عامين تحولت غالبية أنشطة المكتبة إلى أنشطة محلية كانت اشبه بحكومة ظل لنشاط قصور الثقافة وبات من الصعب تمييز نشاطها عن نشاط أى قصر ثقافة مجاور، تكررت نفس الوجوه بنفس الخيال البائس بدلا من القيام بتأدية ادوار اكبر تليق بحجم مسئولياتها وسمعتها العالمية.

 والمأمول أن تنجح ادارتها الجديدة فى إيجاد صيغة أخرى لعملها تعمق صلتها بمحيطها العام وفى نفس الوقت تبتكر لها مسارا متفردا على الصعيد العالمى يعزز من مكانتها فى ظل منافسة واضحة من مؤسسات ناهضة تعمل فى البلدان المجاورة.

 والى أن يحدث ذلك أقترح على وزيرة الثقافة تخصيص قاعة أو أكثر فى مركز الإسكندرية للابداع لبيع اصدارات قصور الثقافة وهيئة الكتاب وانا اعلم أن هذا المركز تابع لصندوق التنمية الثقافية لكنى افترض أن جميع هيئات الوزارة تعمل فى منظومة تكاملية وليست تنافسية وأرجو من الدكتور أحمد زايد الرئيس الجديد لمكتبة الإسكندرية أن يخصص زاوية مماثلة فى مركز البيع التابع للمكتبة على أمل أن يساعد هذا الإجراء فى توفير حل مؤقت لمشكلة بيع الكتب، بينما أرى أن محافظات مصر كلها تحتاج إلى استراتيجية ثقافية بديلة ارجو أن تكون فى وعى المخطط لمبادرة حياة كريمة.