بكائيات «ضربة البيجر»! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 11:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بكائيات «ضربة البيجر»!

نشر فى : الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 20 سبتمبر 2024 - 9:00 م

الهجمة السيبرانية واسعة النطاق التى نفذتها إسرائيل، ضد شبكة اتصالات حزب الله اللبنانى، وأسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصا وإصابة نحو 3 آلاف آخرين، لم يكن هدفها الوحيد إيقاع الأذى بعناصر الحزب، وإخراجه من «ساحة الإسناد» لغزة، ولكن محاولة تغيير صورة الانكسار والانكشاف والهزيمة، التى لحقت بالكيان الصهيونى جراء هجوم «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الماضى.

 إسرائيل وجدت نفسها منذ ذلك التاريخ، أمام تحدٍ وجودى هائل، وتيقنت أن مستقبلها كدولة احتلال أصبح موضع شكوك جدية، وأن ما سعت إلى ترسيخه فى أذهان الفلسطينيين والعرب خلال عقود مضت من أنها الأقوى والأكثر تقدما عسكريا وتكنولوجيا، قد تبخر فى ساعات معدودة على يد عناصر مقاومة تحمل أسلحة بدائية، مقارنة بما لديها من أنظمة وقدرات عسكرية متطورة، وبالتالى فقدت القدرة على الادعاء بأنها تستطيع تحديد مصير وحدود دول المنطقة ومستقبلها وأنظمة الحكم فيها.

ليس هذا فقط، بل إن القضية الفلسطينية التى كاد يطويها النسيان، جراء مشاريع التطبيع التى راجت فى المنطقة خلال السنوات الماضية، دبت الحياة فى أوصالها مرة أخرى، سواء على المستوى العربى أو الدولى، كما أن الكثير من شعوب العالم، اكتشفوا حقيقة دولة الاحتلال التى كانت تصور نفسها دائما على أنها واحة للديمقراطية و«ضحية» فى محيط معادٍ ومتشدد.

إزاء هذا الانكشاف التاريخى، عمد الكيان الصهيونى سريعا إلى محاولة استعادة صورة الردع التى فقدها فى «غلاف غزة»، وردد وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، أكثر من مرة خلال أيام العدوان المستمر منذ اثنى عشر شهرا، أن «حربنا لا مفر منها، وإن لم نحقق الانتصار، فلن تكون لنا حياة فى الشرق الأوسط»!!.

ارتكب الاحتلال الصهيونى خلال محاولته استعادة الردع على مدار العام المنصرم ــ وفى ظل حصانة وتواطؤ ودعم غربى واضح للعيان ــ جرائم إبادة جماعية غير مسبوقة بحق الفلسطينيين فى قطاع غزة، سقط خلالها أكثر من 41 ألف شهيد وما يربو عن مائة ألف جريح.

مؤسسة راند البحثية الأمريكية كشفت فى دراسة حديثة لها أن أكثر من 70% من مساكن قطاع غزة تضررت بين تدمير كلى وجزئى، إلى جانب المستشفيات والمرافق الأخرى والمصانع والورش والشركات، مشيرة إلى أن إعادة إعمار القطاع سيكلف أكثر من 80 مليار دولار، وأن إزالة الأنقاض وحدها ستكلف ما يزيد على 700 مليون دولار، مؤكدة أن الحرب على غزة خلّفت 42 مليون طن من الأنقاض، وهو ما يكفى لملء ما يزيد على 1.3 مليون شاحنة.

لم يكن قطاع غزة الذى انطلقت منه شرارة «طوفان الأقصى»، ساحة المعركة الوحيدة للاحتلال فى محاولته استعادة صورة الردع المفقودة، بل نفذ العديد من عمليات الاغتيال والتفجير فى «ساحات الإسناد» التى هبت لمساعدة غزة، وفق قدراتها وإمكاناتها العسكرية، وكذلك مصالحها الاستراتيجية، مثل إيران واليمن والعراق وسوريا وأيضا ضد حزب الله فى لبنان مثلما حدث الأسبوع الماضى.

فالهجوم السيبرانى الأخير ضد الحزب، والذى تسبب فى تفجير أجهزة البيجر واللاسلكى فى أيدى عناصره، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بأعداد كبيرة، هو بلا شك جزء من محاولات الكيان الصهيونى المستمرة، لترميم الانهيار الذى أصاب بنيته وصورته فى السابع من أكتوبر الماضى، ومعاقبة الحزب بعد تمكنه من إخلاء شمال فلسطين المحتلة من المستوطنين اليهود عبر الصواريخ والعمليات العسكرية المدروسة بعناية على الحدود.

هذا الهجوم غير المسبوق، يؤكد بلا شك تمكن الكيان الصهيونى من القيام بعملية اختراق نوعية وكبيرة وخطيرة لشبكة اتصالات حزب الله، وهو ما يتطلب معالجة سريعة من جانب الحزب حتى لا يصبح هدفا مكشوفا أمام العدو، كما أن هذا الهجوم، يؤشر بشكل واضح لا لبس فيه إلى وجود فجوات علمية وتقنية هائلة بين دولة الاحتلال المدعومة أمريكيا وغربيا، وبين محيطها العربى، الغارق فى نظريات المؤامرة  والغيبيات والسطحيات، ويغيب عن فقه أولوياته وأجندة اهتماماته، الأخذ بأساليب التقدم والتفكير العلمى الحقيقى والتطور التكنولوجى السريع فى كل المجالات.

علينا فعلا الاهتمام بالعلم والتقدم التكنولوجى والثقافى، حتى نحافظ على مصالحنا وحقوقنا، لكن فى الوقت نفسه، يجب عدم الاستغراق طويلا فى بكائيات «ضربة البيجر»، حسرة على أحوالنا وما آلت إليه أوضاعنا، فهذا لن يصب فى صالحنا على الإطلاق، وإنما سيحقق للكيان الصهيونى أهدافه المتمثلة فى استعادة صورة الردع التى فقدها فى «الطوفان»، ونشر اليأس فى نفوس الأجيال الجديدة، التى أصبحت أكثر وعيا وإدراكا وإلماما بالقضية الفلسطينية، وتهيئة العقول للقبول باحتلاله الأرض العربية، تحت مبرر تفوقه عمليا وتكنولوجيا واستخباراتيا.

التعليقات