يراجع الناس مؤخرا تقديراتهم حول الاستراتيجية السياسية لإدارة أوباما. ويبدو أن التفكير التقليدى يرى أن الرئيس أوباما حاول أن يفعل أكثر من اللازم، وبوجه خاص، كان عليه أن ينحى الرعاية الصحية جانبا ويركز على الاقتصاد.
ولا أتفق مع هذا. فمشكلات إدراة أوباما لم تنجم عن طموح مفرط، وإنما عن السياسة وسوق التقدير السياسى. فكانت المحفزات قليلة جدا، ولم تكن السياسات تجاه البنوك حازمة بما يكفى؛ ولم يفعل أوباما ما فعله رونالد ريجان الذى واجه أيضا اقتصادا ضعيفا فى بداية إدارته، وبالتحديد تحصين نفسه ضد النقد من خلال خطاب يلقى باللوم على الإدارات السابقة.
وبالنسبة للمحفزات: فقد كانت مفيدة بالتأكيد. وبدونها، كانت البطالة سترتفع على نحو أكبر. ولكن من الواضح أن برنامج الإدارة لم يكن كبيرا بدرجة كافية لتحقيق زيادة فى فرص العمل خلال 2009.
لماذا كانت المحفزات أضعف مما يجب؟ طالب عدد من الاقتصاديين (وأنا من بينهم) بمحفزات أكبر كثيرا مما انتهت الإدارة إلى اقتراحه. ورغم ذلك، وفقا لما كتبه ريان ليزا الكاتب فى نيويوركر فى ديسمبر 2008، توصل كبار مستشارى أوباما الاقتصاديين والسياسيين إلى أن المحفزات الكبيرة لا تمثل ضرورة اقتصاديا ولا جدوى منها سياسيا.
ولعل تقديرهم السياسى كان صائبا أو ربما جانبه الصواب، غير أنه من الواضح أن تقديرهم الاقتصادى غير صحيح. وأيا ما كان السبب وراء سوء التقدير هذا، فلم يكن برجع إلى عدم التركيز على القضية: فلم يكد فريق يركز على سواها فى أواخر 2008 وبداية 2009. ولم تكن الإدارة مشتتة الذهن، وإنما كانت مخطئة فحسب.
ويمكن قول نفس الشىء على السياسة تجاه البنوك، حيث يدافع بعض الاقتصاديين عن قرار الإدارة بعدم اتخاذ موقف أكثر تشددا إزاء البنوك، قائلين إن البنوك تتلمس طريقها للعودة إلى الانتعاش المالى. ولكن منهج التهاون فى الصناعة المالية أدى إلى زيادة نفوذ نفس المؤسسات التى تسببت فى الأزمة، بل إنه فشل فى إنعاش الإقراض: حيث أدت برامج إنقاذ البنوك إلى تقليل، وليس زيادة، أرصدة الإقراض لديها. وكان له عواقب سياسية مشئومة: حيث وضعت الإدارة نفسها فى الجانب الخطأ نظرا للاستياء الشعبى من الإعانات والمكافآت.
وأخيرا، بالنسبة لذلك الخطاب: من المفيد أن نقارن الموقف الخطابى لأوباما حول الاقتصاد بنظيره لدى رونالد ريجان. وعلى الرغم من أن ذلك لا يذكره الكثيرون الآن، إلا أن البطالة ارتفعت بالفعل بعد تخفيض ريجان للضرائب فى 1981. غير أن ريجان كان لديه رد جاهز على النقاد: كل ماهو خطأ كان نتيجة لسياسات فاشلة سابقة. وفى الواقع، قضى ريجان سنواته الأولى فى السلطة فى هجوم متواصل على جيمى كارتر.
وكان من الممكن أن يقوم السيد أوباما بنفس الشىء ويهمنى أن أن أقول أن ذلك كان من الممكن أن يكون أكثر عدالة. فقد كان يستطيع الإشارة مرارا إلى أن مشكلات أمريكا المتواصلة نتجت عن الأزمة المالية التى نمت فى ظل إدارة بوش، وكانت جزئيا على الأقل نتيجة امتناع إدراة بوش عن تطبيق قواعد تنظيمية على البنوك.
ولكنه لم يفعل. ربما مازال يحلم برأب الصدع الحزبى؛ ربما يخشى من غضب النقاد الذين يعتبرون أنه ممن عدم اللياقة إذا ما كنت ديمقراطيا أن تلوم سلفك بسبب المشكلات الحالية (ويجوز ذلك إذا كنت جمهوريا). وأيا ما كان السبب، أتاح السيد أوباما للرأى العام أن ينسى، بسرعة ملحوظة، أن مشكلات الاقتصاد لم تبدأ فى عهده.
لذلك، فأين تقع وسط كل هذا الشكوى وجود أجندة فضاضة أكثر مما ينبغى؟ هل كانت الإدارة تستطيع القيام بتصحيح مسار السياسات الاقتصادية إذا لم تكن خاضت معارك بشأن الرعاية الصحية؟ ربما لا. لقد كانت إحدى الحجج الرئيسية لدى أولئك الذين يضغطون من أجل خطة تحفيز أكبر إنه لن تكون هناك فرصة ثانية: وحذروا من إنه إذا ظلت معدلات البطالة مرتفعة، سوف يستنتج الناس أن المحفزات فشلت، بدلا من أن يعتبروا أننا كنا بحاجة إلى قدر أكبر من المحفزات. وهو ما ثبت صحته.
من المهم أن نتذكر أيضا، مدى أهمية إصلاح الرعاية الصحية بالنسبة إلى القاعدة الديمقراطية. لقد خاب أمل بعض النشطاء بسبب التنازلات التى قدمت من أجل الحصول على القانون عبر مجلس الشيوخ ولكن أملهم سيخيب أكثر إذا ما تلاعب الديمقراطيون بهذه القضية.
وينبغى أن تكون السياسة أكبر من الفوز فى الانتخابات. فحتى لو كان إصلاح الرعاية الصحية سيخسر أصوات الديمقراطيين (وهو أمر مشكوك فيه) إلا أنه الشىء الصحيح الذى ينبغى عمله.
فماذا سيحدث بعد ذلك؟
ربما لا يستطيع السيد أوباما حاليا فعل الكثير فيما يتعلق بخلق فرص العمل. ومع ذلك، فهو يستطيع أن يضغط بشدة نحو الإصلاح المالى، ويسعى إلى إعادة وضع نفسه فى الجانب الصحيح فيما يتعلق بالغضب العام من خلال تصوير الجمهوريين على أنهم أعداء للإصلاح وهم كذلك.
وفى الوقت نفسه، على الديمقراطيين القيام بكل ما يلزم لإصدار قانون الرعاية الصحية. وربما لن يكون فى تمرير مثل هذا القانون خلاصهم السياسى ــ ولكن بالتأكيد سوف يكون حتفهم السياسى فى عدم تمريره.
New York Times