قام موقع 180 بترجمة مقال لوزير خارجية الأردن الأسبق، مروان المعشر، نشر بمجلة فورين أفيرز الأمريكية، رأى فيه أنه لوقف الحرب فى غزة وتحقيق السلام الدائم، يجب على إسرائيل أولا إنهاء احتلالها للأراضى الفلسطينية.. وأى محاولة لفرض حل لا يعالج القضية الفلسطينية بشكل كامل، ويفترض أن لا دور لحركة حماس فى المستقبل، يعنى المزيد من الفشل وأن الأسوأ قادم... نعرض من المقال ما يلى:مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الرابع، يحتدم النقاش حول من يجب أن يحكم القطاع عندما يتوقف القتال. البعض اقترح تشكيل قوة عربية، لكن مصر والأردن ودول عربية أخرى رفضت الفكرة. آخرون اقترحوا إعادة تمكين السلطة الفلسطينية، متجاهلين حقيقة أن أقل من 10% من الشعب الفلسطينى فقط سيدعمون مثل هذه الفكرة. ويتلخص الاقتراح الثالث بوضع غزة تحت السيطرة الدولية، وهو ما ترفضه إسرائيل.
كل هذه الحلول التى يتم تداولها فى أروقة السياسة العالمية محكومة بالفشل لأنها تتعامل مع القطاع وكان بالإمكان معالجة الوضع دون معالجة القضية الأوسع المتمثلة فى إقامة دولة فلسطينية. كذلك فإن أى حديث عن «من سيحكم غزة؟» على اعتبار أن حركة حماس «ستنتهى» يعنى أن ما حدث يوم 7 أكتوبر وبعده، وما كان يحدث قبله، سيظل قائما، والأسوأ سيقع فى المستقبل.
متطلبات السلام
تعترف إدارة بايدن أنه ستكون هناك حاجة إلى عملية سياسية بعد انتهاء الحرب فى غزة. وهى بدأت بالفعل فى مناقشة «اليوم التالى»، لكن إذا كان المقصود هو فقط من سيحكم غزة بعد حماس، أو إذا لم تضع واشنطن إطارا زمنيا مدروسا وواضحا، فإنها بذلك تكرر الأخطاء السابقة وتحكم على العملية السياسية المفترضة بالفشل مسبقا.
إن الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطينى تشعر اليوم أنهم خُدعوا، وانخرطوا لعقود فى مفاوضات عقيمة لإنهاء الاحتلال بينما كانت إسرائيل تفرض حقائق على الأرض تجعل حل الدولتين مستحيلا. لذلك، فإن أى عملية سياسية فى غزة يجب أن تكون ذات مصداقية، وبسقف زمنى، ونهاية محددة سلفا وبوضوح قبل بدء أى مفاوضات. وخلاف ذلك سيكون مجرد مضيعة للوقت.
من الأهمية بمكان الاعتراف بأن العناصر الضرورية لأى عملية سياسية جادة تقودها واشنطن غير متوفرة حاليا. فأمريكا على أبواب انتخابات، وإطلاق عملية سلام يتطلب منها ممارسة الضغط على جميع الأطراف – إسرائيل على وجه الخصوص – وهذا ما ليس بالإمكان فعله. كما أن الحكومة الإسرائيلية اعترفت، مرارا وتكرارا، أنها لا تنوى إنهاء الاحتلال أو المساعدة فى إنشاء دولة فلسطينية. أضف إلى ذلك أنه وبرغم أن غالبية الشعب الإسرائيلى تحمّل الحكومة الإسرائيلية الحالية مسئولية الفشل الأمنى الذى حدث فى 7 أكتوبر، وبرغم استطلاعات الرأى التى تقول أن المعارضة ستفوز بسهولة إذا ما أُجريت انتخابات غدا، إلا أن الانقسام العام فى إسرائيل اليوم لم يعد بين المعسكر المؤيد للسلام والمعسكر المعارض له (كما كان الحال قبل عقود). الانقسام اليوم هو فقط بين مؤيد لشخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومعارض له، حيث يتخذ الجانبان موقفا متشددا ومتطابقا تقريبا ضد فكرة «الدولة الفلسطينية المستقلة».
فى الوقت نفسه، فقدت السلطة الفلسطينية الكثير من مصداقيتها وشرعيتها. فهى لم تُجرِ انتخابات منذ عام 2006، وشعبيتها انخفضت بنسبة كبيرة جدا حتى قبل «طوفان الأقصى»: 88% من الشعب الفلسطينى يطالبون باستقالة الرئيس محمود عباس، و7% فقط يريدون أن تحكم السلطة بقيادة عباس غزة بعد الحرب. كما أنه من المؤكد أن لا السلطة ولا إسرائيل ولا الولايات المتحدة من الممكن أن تسمح بإجراء أى انتخابات فى المدى القريب، لأن حماس ستحصل حُكما على أكثرية الأصوات».
لضمان نجاح أى عملية سياسية مرتقبة وتجنب مزالق المفاوضات السابقة، يتعين على واشنطن أولا أن تقدم خطة سياسية تُحدّد هدفا واضحا يتمثل فى إنهاء الاحتلال خلال إطار زمنى محدد (3 ــ 5 سنوات). وبمجرد أن تبدأ العملية السياسية، سيكون لدى الجانبين حافزٌ لإعادة النظر فى الحلول التى تم رفضها فى الماضى. على سبيل المثال، من الممكن أن تتحول عملية إعادة إعمار غزة إلى خطوة على طريق التسوية النهائية. من الممكن أيضا إنشاء صندوق دولى لمساعدة الفلسطينيين والفلسطينيات على البقاء فى أراضيهم وتبديد مخاوفهم من خطر الترحيل. ويمكن بعد ذلك إحياء «مبادرة السلام العربية» مما يمنح الدول العربية دورا سياسيا وأمنيا واقتصاديا فى الأراضى الفلسطينية، ويشكل حافزا قويا للجانب الإسرائيلى لتبنى «المبادرة».
قد يبدو هكذا طرح طموح، لكن من دونه سيكون على المجتمع الدولى أن يزن تكاليف البدائل بدقة.
من سيئ إلى أسوأ
إذا ثبت فى نهاية الحرب فى غزة أن تنفيذ عملية سياسية جادَّة أمر مستحيل، فقد تتكشف ثلاثة سيناريوهات بديلة:
البديل الأول: أن يفترض الطرفان (ومعهما الولايات المتحدة) أن حل الدولتين هو فى النهاية النتيجة المفضلة للجميع، وأن الأمر ببساطة يتعلق بوجود قوى سياسية مناسبة فى السلطة لتحقيق ذلك. لكن فى إسرائيل، انخفض الدعم داخل الكنيست لاتفاقية سلام وتقاسم الأراضى؛ من أغلبية الأعضاء قبل 30 عاما إلى 15 عضوا فقط. علاوة على ذلك، أن الوضع الراهن غير ثابت، نظرا لإصرار إسرائيل على توسيع المستوطنات وقضم أراضى الشعب الفلسطينى. وإذا كان عدد المستوطنين اليوم يجعل من الصعب فصل المجتمعين إلى دولتين، فقد يصبح الوضع أكثر سوءا فى غضون سنوات قليلة، بمجرد أن يتجاوز عدد المستوطنين المليون مستوطن ومستوطِنة.
البديل الثانى (أسوأ من الأول): ترحيل جماعى للشعب الفلسطينى، إما بالقوة أو بجعل الحياة داخل الأراضى المحتلة لا تُطاق. والسبب فى ضرورة أخذ هكذا سيناريو على محمل الجد هو الواقع الديموغرافى الذى تواجهه إسرائيل اليوم (عدد العرب الفلسطينيين فى المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل يبلغ 7.4 مليون نسمة، وهو عدد يفوق عدد اليهود الإسرائيليين داخل إسرائيل والأراضى المحتلة والذى يبلغ 7.2 مليون نسمة). وبالنظر إلى أن إسرائيل لا تريد إنهاء الاحتلال وقبول حل الدولتين، ولا تريد أيضا أن تصبح أقلية تحكم الأغلبية فيما يوصف بالفصل العنصرى، فإن خيارها المفضل سيكون ترحيل أعداد كبيرة من الشعب الفلسطينى: من غزة إلى مصر، ومن الضفة إلى الأردن.
وقد أوضحت الحكومة الإسرائيلية بالفعل أنها تفكر على هذا المنوال. فقد أصبحت أجزاء كبيرة من غزة غير صالحة للسكن، وبدأ العديد من المسئولين الإسرائيليين، بينهم نتنياهو، الترويج للفكرة بأساليب متعددة.
وهذا يتركنا أمام بديل ثالث وهو الأكثر ترجيحا: استمرار الاحتلال الإسرائيلى، ولكن مع ظروف أسوأ بكثير مما كانت عليه فى أى وقت مضى. إن معدل المواليد لدى الشعب الفلسطينى أعلى من نظيره بين اليهود الإسرائيليين. ومع فقدانهم الأمل على نحو متزايد فى احتمال قيام دولة فلسطينية، فإن مطالبتهم بالمساواة فى الحقوق مع الإسرائيليين ستزداد صخبا وإصرارا. وقد يصبح الصراع بعد ذلك أكثر عنفا (63% من الشعب الفلسطينى يؤيدون الكفاح المسلح لإنهاء الاحتلال). والواقع أن هذا ما بدأ بالفعل فى الضفة فى الأشهر التى سبقت «طوفان الأقصى».
فإذا ما قرّرت إسرائيل مواصلة الاحتلال، فإن التحدى الذى تواجهه لن يكون داخليا فقط. هناك اليوم جيل شاب ناشئ فى أمريكا والعديد من الدول الغربية يدعم القضية الفلسطينية. ومع صعود هذا الجيل إلى مواقع السلطة وصناعة القرار، سيصبح العالم أكثر انتقادا للاحتلال الإسرائيلى، مما سيؤدى إلى عزلة إسرائيل بشكل متزايد على المسرح العالمى.
• • •
المجتمع الدولى يتحمل جزءا من المسئولية فى ما وصلت إليه الأوضاع داخل فلسطين نتيجة تخليه عن أى محاولة جادَّة لمعالجة الأسباب الأساسية للصراع، فإما أن تتخذ أمريكا وشركاؤها الدوليون قرارا تاريخيا بإنهاء الصراع الآن والعمل على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، أو سيتعين على العالم أجمع أن يتعامل مع مستقبل أكثر قتامة.. وقريبا لن يكون الأمر مسألة احتلال، بل قضية الفصل العنصرى الصريح. ولا يمكن أن يكون الخيار أكثر وضوحا.
النص الأصلى: