بأى نظرة عابرة لحياتنا السياسية، سنبدو كمصريين وكأننا شعب مصاب بانفصام فى الشخصية.. كل فصائل المعارضة ومعهم جماهيرهم يرون أننا نعيش حكما غير ديمقراطى لا يحترم حقوق الإنسان، وأن كل ما يربطنا بهذه القيم النبيلة هو تدوينها فى بنود جامدة فى قوانين واتفاقيات دولية لا تدخل حيز التطبيق أبدا ولا يحترمها أحد.. وفى المقابل، ترى الحكومة وأنصارها أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية وأن حرية الصحافة وصلت لدرجة غير مسبوقة أصبح فيها متاحا انتقاد كل المسئولين الكبار بمن فيهم الرئيس نفسه.
ويقول المعارضون إننا نواجه أزمة اقتصادية طاحنة تتبدى فى انتشار الفقر والفساد، مؤكدين أن انتشار الحركات الاحتجاجية هو مقدمة لفوضى عارمة لا يعرف أحد حدودها، فى حين يرى أنصار الحكومة أن هذه الاحتجاجات دليل حيوية وقوة النظام، وأن اقتصادنا يحقق معدلات تنمية تقترب من حد المعجزات.. ومن الواضح أن خلافات الطرفين لا تقتصر على التفاصيل بل تمتد إلى الأسس والجذور..!
وكما يقول الأطباء لا يستطيع فرد أن يتحمل كل هذه الشيزوفرينيا دون أن يصاب بالهلاوس والضلالات وموجات من العصبية والعنف، تذهب به إلى أقرب مستشفى للأمراض النفسية والعقلية.. ولكنى لا أدرى ما هو مصير مجتمع يعيش ويتعايش مع هذا الفصام فى شخصيته الوطنية،
ويتبادل أفراده السخافات والشتائم بأقذع الألفاظ عندما يقودون سياراتهم الفارهة فى شوارعنا المزدحمة وعندما يتسوقون فى الجمعيات التعاونية وفى المولات الراقية، وخلال تشجيعهم لفرقهم فى مدرجات الكرة، وأخيرا عندما يحل مثقفوه خلافاتهم على صفحات الجرائد.. فى غياب كامل للعقل والرشد والحكمة!!
فى بدايات القرن الماضى كان الأفغانى محمد عبده وطه حسين ومن قبلهم رفاعة الطهطاوى ومعهم الكثيرون من المفكرين والمثقفين والسياسيين يقودون حركة تنوير وتحديث للمجتمع ويخوضون معارك طاحنة مع معارضيهم حول كيفية التعامل مع تراثنا التليد وديننا الإسلامى الحنيف..
هل بالعقل أى بإعادة تفسيره والاشتباك مع قضاياه بالمناهج النقدية الحديثة.. أم بالنقل أى بمحاولة إعادة الماضى وفهم الدين كما فهمه وطبقه الأولون؟.. وبعد انتصارات هنا وهزائم هناك لازلنا طوال أكثر من مائة عام نتعثر فى الإجابة عن هذا السؤال، وأحيانا ينجح بعضنا فى مطاردة مفكرينا بسلاح التكفير وبالاستغلال الخاطئ لمفاهيم الحسبة ونفيهم خارج البلاد.
ويبدو ــ والله أعلم ــ أننا نتقدم خطوة للأمام ونتراجع خطوتين للخلف كما قال أحد السياسيين الروس القدماء.. وإلا لما انتشرت كل هذه الشيزوفرينيا فى بلادنا!
mesmat@shorouknews.com