قامُوس المُتشكِّكين - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 7:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قامُوس المُتشكِّكين

نشر فى : الجمعة 21 يونيو 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الجمعة 21 يونيو 2024 - 7:10 م

لم يَبدُ على المرأة أنها تُصِّدق ما تسمع من صاحباتِها اللاتي جَلسْن في ثقة، يتداولن أخبارًا مُتنوِّعة، وقد لاحت جميعهن من قلبِ الطبقة المُتوسطة. بدأت أغلب العبارات بفعل: "بيقولوا" ولم يُعرَف الفاعلُ القائل على مدارِ ساعة أو أكثر. أخيرًا تجرأت المرأةُ وسألت؛ لكنها لم تحظ بجواب، بقيَ المجهولُ على حاله، وبقي شكُّها مُتأجِّجًا لا تخفُت حدَّته؛ فكثرة التعمِيَة وتراجُع الشفافية على المستويات كافة؛ لا يتركان فرصةً للوثوق بمعلومةٍ، وأكم من قولٍ ناقضه فعلٌ وأكم من أفعالٍ عاكستها تصريحاتٌ ووعود.
• • •
الشَّخصُ المُتشكِّك هو الذي لا يثق في أغلب الأمور، والمُتشكَّك فيه بفتح الكاف وتشديدها هو المَفعول به، أما الفعلُ تشكَّك فيأتي في قواميس اللغة العربية بمعنى ارتاب، والتشكُّك بضمّ وتشديد الكاف هو المصدر، وإذا شكَّك الواحد في واقعةٍ؛ فقد أوحى للآخرين بعدم صحَّتها.
• • •
ربما كان فيلم "الشكُّ يا حبيبي" أشهر العناوين التي حملت المُفردةَ، وقد قامت ببطولته شادية إلى جانب محمود ياسين ويحيى شاهين، والقصةُ لسمير عبد العظيم، أما المُخرج فهنري بركات، وقد عُرِضَ الفيلم بنهاية السبعينيات تقريبًا، وتُعَدُّ حكايته تقليديَّة لا جِدَّة فيها؛ لكن طاقمَ العَمل المُتميِّز أضفى عليه مذاقًا خاصًا.
• • •
كثيرًا ما ننهي حديثًا مثيرًا؛ يحمل القدرَ الوفيرَ من الغُموض ويختلف عليه الناسُ بقولة: "ما فيش دخان من غير نار"، والمعنى أن هناك منشأ لكلِّ ظاهرة حتى وإن لم يتضح على الفور، وأن لكلِّ شكٍّ ما يفسره لاحقًا وإن بدا في غير مَوضعه، ومن ثمّ فإن محاولة البحث عما يقبع وراء الأحداثِ التي تمُر بنا؛ يمكن أن يزيحَ بعضَ الضَّباب عن الطريق.
• • •
اعتاد الناسُ أن يتلقوا النبأ في بدايته على هيئة شائعة؛ مشكوك في فحواها وفي مَصادِرها؛ لكن مُعظم الشائعات لا تلبث أن تتحوَّل بمرور الوقت إلى حقائق، وتغدو في نهاية الأمر واقعًا لا مفرَّ منه، ولقد أدرك المتلقون بعد تجاربٍ عدَّة واختباراتٍ مريرة، أن كلَّ كلمة وإيماءة وهَمسة قابلة للحدوث مهما بدت عجيبةً، وأن كثيرَ الشائعات ليست إلا بالون اختبار؛ يُراد بها الوقوفُ على ردِّ الفعل وقياسه ثم الشروع في التنفيذ.
• • •
الشكَّاكُ صيغة مبالغة تصف شخصًا دائم الشكِّ في كل ما يحيط به، وهو بمسلكه هذا قادر على إحالة الحياة إلى جحيم، فانعدام الثقة المفرط يؤدي إلى توتر لا ينتهي ولا يزول. هناك من يشكُّ في نفسه ومن يشكُّ في الآخرين، الموقف الأول أكثر صعوبة من الثاني فالمرء ما غلبه التردد تجاه نفسه وراح يسائلها ويراجعها مرة ومرات، دلف إلى دوامة من الأفكار يتعذر الخروج منها.
• • •
سمعت مِن كثير السيدات مَن تشير إلى أحد معارفها وأحيانًا زوجها بكنية: "اللي ينشك في قلبه"، والغالب أن الوَصفَ يضع الرَّجلَ المَقصود في مَوضع عداء، لا يُرحَّب بحضوره في مَجلِس ولا حتى بتداوُل سيرته. الشكُّ هنا لا يُفيد الرَّيبةَ بل هو على الأرجح الوَخز، وإذا تبدَّت هذه القولة من القسوة بمكان؛ فعلى النقيض منها تأتي "شكَّة دبوس" إذ تفيد الخِفَّة والسُّرعة؛ وكأن المَوصُوفَ بها فعلٌ عابرٌ بسيط لا يستحِقُّ الاضطراب.
• • •
بعضُ الشكِّ مُحبَّذٌ مفيد؛ فالتسليم السريع بصحة ما نتلقى من بيانات، يُسفِر بعض المرَّات عن اتخاذ قرارات غير موفقة، مَبنيَّة على استنتاجات زائفة أو غير دقيقة. مِن الناس مَن اعتاد على التأني والفحص والتَّمحيص والبحث عن التفصيلات الغائبة؛ كي يستوعبَ الأمرَ مِن جوانبه كلها؛ فإن اكتمل المشهدُ أمامه راح يجترُّ الاحتمالات ويُعيدها وقد يبقى بعد هذا كله على شكِّه؛ فيكون على الطرفِ النقيضِ من زُمرة المُتسرعين.
• • •
"أصله بيشك فيها" عبارة مفهومة لا تحتاج لشرح، تخفي أكثر مما تصرح بها مفرداتها وتوحي بموقف خطر. تكون درجةُ الخطورةُ أقلَّ إذا شكَّت هي فيه، فالخيانة في العادة مُباحة للرَّجل ومُحرَّمة على المرأة، وعلى كل حال الشكُّ باعثٌ على اتخاذ الحذرِ وتنحية الاطمئنانِ جانبًا، والمرءُ ما دخل الشَّكُ قلبَه؛ غاب إحساسُه بالأمان وتوارى سلامُه الداخليّ وربما اختفى وتبخر تمامًا؛ إلى أن يَحسمَ المَوقِفَ ويَصل إلى اليقين.
• • •
ثار شيءٌ من الجَّدل حول رسالة: "لماذا أنا ملحد؟" لإسماعيل أدهم، وعلى الجانب المقابل كتب مصطفى محمود "حوار مع صديقي المُلحِد" وكذلك "رحلتي من الشك للإيمان"، واللذين دار حولهما أيضًا جدال مع اختلاف المنطقِ والغايات، والحقُّ أن أغلبَ المُجادلات والنقاشات حول أسئلة الوجود، تلوح صحيَّة مفيدة ما طرقَت صُلبَ الموضوع، ما التزمت حِجاجًا  مُتماسكًا مبنيًا على أُسُس العقلِ الرَّشيد، أما تلك التي تمضي في دروب نفي الآخر وتجريمه؛ فتؤسس إنسانًا محرومًا من القدرة على النقد والمُعارضة.
• • •
المَشكوكُ في أمرِه هو شخصٌ يَشعر مَن حولَه بالقلق؛ إذ يتوقعون أنه يُخفي عنهم حقيقته، والعادة أن تبدأ الشكوكُ بذورًا صغيرةً ثم تنمو وتتعاظم إلى أن تتجسَّد حقائقَ دامغة؛ لا مَفر من التعامل معها ومُحاولة استدراكِ تبعاتها.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات