عندما نتتبع سيرة كبار العلماء نتعلم منهم على مستويات عدة: نتعلم من طريقتهم في التفكير وحل المشكلات التي تواجههم، نتعلم من حياتهم نفسها والمعوقات التي واجهوها في حياتهم حتى وصلوا لما وصلوا إليه، أهل التخصص يتعلمون من قراءة أبحاث العلماء الكبار في تخصصهم، الطلبة تتعلم منهم في قاعات المحاضرات، واليوم سنحاول نحن أن نتعلم منهم بطريقة مختلفة.
في هذا المقال سنستعرض بعض مقولات مشاهير العلماء ونتفحصها علنا نستقي منها بعض فصوص الحكم في مجال العلم والعلماء والحياة العلمية.. فلنبدأ..
يقول الفيزيائي العظيم ريتشارد فاينمان (Richard Feynman) الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1965 عن عمله في فيزياء الكم: "هناك فارق بين معرفة إسم شيء ومعرفة شئ".
هذه مقولة مهمة جداً إذا أراد أي طالب أن يتعمق في دراسته أو أراد عالم شاب أن يفهم جيداً دقائق مجاله فكم من ناس تعتقد أنها تعرف أشياء وهي تعرف فقط الأسماء، عندما تقول جملة بسيطة مثل الماء يغلي عند حرارة مائة درجة مئوية فأنت تظن أنك تعرف معلومة علمية ولكن: هل تعرف معني كلمة غليان؟ هل تعلم لماذا تودي هذه الحرارة للغليان؟ ولماذا عند هذه الدرجة؟ وماهي الحرارة؟... إذا لم تعرف الإجابة عن تلك الأسئلة فهذا معناه أنك لا تعرف شيئاً عن الجملة، المعرفة ليست مجرد ترديد معلومات.
يقول فاينمان أيضاً "أفضل الحصول على أسئلة بدون إجابات عن الحصول على إجابات بدون أسئلة"، هذه المقولة تعني أن أهم مقومات العلم هو التساؤل، العالم الجيد يمتلك شيئين: فضول صحي يدفعه للتساؤل عن كل شيء في علمه وفي إتصاله بالعلوم الأخرى والقدرة على التساؤل الجيد، فالسؤال الجيد يجعلك تقطع شوطاً كبيراً في طريق الحل والسؤال الجيد يفتح الباب لأسئلة أخرى فالعلم بلا حدود أو بحدود لن نبلغها حتى تنتهي الحياة، أما الإجابات بدون أسئلة فهي ترتبط بالقول المأثور السابق وهو مجرد ترديد معلومات ولا تؤدي إلى شيء سوى "المنظرة" أما الناس أو الإشتراك في برامج المسابقات!
مازلنا مع فاينمان وهو يقول "إذا لم تستطع شرح شيء بطريقة سهلة فأنت نفسك لا تفهم هذا الشئ"، من السهل جداً إذا كنت متخصصاً في علم ما أن تستخدم كلمات متقعرة وتشرح بطريقة معقدة لا يفهمها أحد ولكن هذا له معنى من إثنين (أو كلاهما): أنك تريد المنظرة والتفاخروأن تشعر بأنك أفضل ممن هم حولك وأنك تسر برؤيتهم مبهورين بهذا التعقيد وإن لم يفهموا شيئاً، المعنى الثاني أنك أنت نفسك لا تفهم هذا الموضوع بالعمق الكافي، كلما قلت المعرفة زاد التعقيد، التبسيط يقتضي معرفة عميقة بالموضوع، لذلك نرى مثلاً الكثير من الأهالي يشعرون بالغضب من كثرة أسئلة أطفالهم لأن الأهل لا يعرفون هذه المعلومات بالعمق الكافي وقد لا يعرفونها أصلاً وبذلك لا يستطيعون إجابة أطفالهم وهذا يشعرهم بالعجز ومن ثم بالغضب، أصعب الكتب في تأليفها هي الكتب العلمية الموجهة للصغار!
يقول ستيفن هوكنج (Stephen Hawking)(وتنسب المقولة أيضاً للمؤرخ الأمريكي دانيال بورستين Daniel Boorstin ) "أكبر أعداء المعرفة ليس الجهل ولكن إعتقاد المعرفة"، حتى تتعمق في مجال ما يجب أن تسأل الأسئلة الصحيحة وحتى تسألها يجب أن تكون على علم بجهلك، ولكن إذا كانت درجتك العلمية أوشعورك بالتفوق مقارنة بمن حولك فأبشر أنت على طريق الجهل السريع وسرعة ظهورجهلك يعتمد على المجتمع الذي تعيش فيه أو الدائرة التي تتعامل معها، كلما كان المجتمع علمياً كلما ظهر جهلك أسرع ولكن في كل الأحوال سيظهر.
يقول الفيزيائي ماكس بلانك (Max Planck) الفيزيائي الكبير الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1918 "التجربة هي وسيلة العلم لسؤال الطبيعة، والقياس هي الوسيلة لكتابة الإجابة "، إذا تجاوزنا الاستعارات المكنية في هذه الجملة البليغة فسنجد هذه المقولة تعضد ما قلناه سابقاً عن السؤال، إذا كنت تعمل في مجال نظري فالسؤال يدفعك للتفكير وإذا كنت تعمل في مجال عملي فالسؤال سيدفعك للتفكير في تصميم تجربة للإجابة عن السؤال ونتائج التجربة ستدفعك للتفكير في هذه النتائج وما إذا كانت تجيب عن السؤال أو جزء منه أو تثير أسئلة أخرى.
يقول الفيزيائي الكبيرنيلز بور (Niels Bohr) الفيزيائي الكبير الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1922 "الخبير هو شخص إرتكب كل الأخطاء في مجال ضيق"... هذه المقولة مهمة جداً لأنها ببساطة تقول أنك إذا لم تفشل أو تخطئ فلن تتعلم شيئاً، وتقول أنك إذا فشلت ولم تفكر في هذا الفشل أو الخطأ كي تتعلم منه فأنت تفوت فرصة كبيرة للتعلم والخبرة، وتقول أنه لا يوجد عالم مهما كان لا يفشل أو يخطئ فقط هناك من يخجلون من التحدث عن أخطائهم لعدم الثقة في أنفسهم أو للحفاظ على صورتهم أما تلاميذهم أو من يتعاملون معهم كمؤسسات تمويل الأبحاث! ... من الأخبار الطريفة هو أن بور هو من أشار بتعيين الدكتور علي مصطفى مشرفة كأول عميد مصري لكلية العلوم بجامعة القاهرة عندما خاطبته الحكومة المصرية لسؤاله عن أكثر من يصلح لهذه المهمة.
وننهي المقال بمقولة لا تحتاج إلى تعليق لتشارلز داروين "الشخص الذي يجرؤ على إضاعة ساعة من الزمن هو شخص لا يدرك قيمة الحياة".