بعيدا عن التوابل الساخنة التى صاحبت الدعوة لمظاهرات 24 اغسطس المعارضة للإخوان المسلمين، والتى اشتملت على تهديدات مجهولة بحرق مقار الجماعة وحزب الحرية والعدالة تمهيدا لإسقاط حكم الرئيس محمد مرسى، فإنه يجب الإقرار المجتمعى بكفالة حق التظاهر السلمى، وحق الاعتراض ومحاسبة أى مسئول فى مصر ،سواء كان هذا المسئول أميرا أو خفيرا، وبالتالى فإن الرئيس مرسى ليس له حصانة تمنع معارضيه من تنظيم المظاهرات التى تعترض على سياساته أو حتى المطالبة بإقالته، وهو نفس الحق الذى ينبغى أن يكون مكفولا لمؤيديه الذين يمكنهم فى المقابل تنظيم المظاهرات المؤيدة لسياساته، أوحتى المطالبة ببقائه لفترة رئاسية ثانية.
إلا أن الأسابيع الماضية شهدت ــ تحت زعم حرية التعبير ــ تجاوزات غير مقبولة فى حق الرئيس محمد مرسى، حيث استخدم البعض تعبيرات غير لائقة ضده، وصلت لدرجة الشتائم والسباب، من أناس مفترض انهم يدركون جيدا قيمة القلم ومسئولية الكلمة، بل ومنهم من له تاريخ نضالى مشهود فى معارضة الرئيس السابق، ومع ذلك فقد شاركوا فى هذه الفوضى السياسية والإعلامية التى نعيشها الآن، والتى وصلت لقمتها بالدعوات المشبوهة لحرق مقار الاخوان، واكبتها دعوات مضادة، من المحسوبين على مرسى، بقتل كل من يشارك فى هذه العمليات المفترضة ضد مقار الإخوان، فى ظل غيبة تامة لقيم القانون والحرية المسئولة والديمقراطية الحقيقية الناضجة!
وفى مثل هذا المناخ، لا أحد فى مصر الآن يتوقع أن تتفق الفصائل السياسية من إسلاميين وليبراليين ويساريين على قواعد اللعبة السياسية، ولا على التصرف وفق أسس ديمقراطية ناضجة، فنحن خارجون ــ توا ــ من أسر نظم قمعية استمرت عشرات السنين، نشرت ثقافة الاستبداد والقمع والإقصاء ونفى الآخر وترسيخ قيم الدولة البوليسية وسط أجيال متعاقبة، حتى وجدنا أنفسنا فجأة بعد ثورة 25 يناير أمام فضاء واسع من حرية الرأى والتعبير، دون أن تتوافر لنا تقاليد ديمقراطية حقيقية تعصمنا من ارتكاب كل هذه الاخطاء والخطايا الفادحة.
كل ما نحتاجه الآن، هو اعتراف جميع الفرقاء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أن مصر هى بلد الجميع، وانه لا يوجد فصيل بعينه قادر على حل مشكلاتنا الراهنة، وأن على الجميع تقديم التنازلات الفكرية والايديولوجية لبناء دولة تستطيع السيطرة على تناقضات القوى المختلفة، وهو أمر صعب على تيارات إسلامية عديدة ترى انها تحارب معركة الله ضد الكفار، ولا يقل صعوبة على تيارات ليبرالية وعلمانية تخشى من « اخونة الدولة « وسيطرة تيارات إسلامية على الحكم بأساليب غير ديمقراطية وتشكيل ديكتاتورية دينية تقمع كل المخالفين لها فى الرأى والمعتقد.
ومع ذلك، لا حل آخر سوى تقديم هذه التنازلات، وإلا فإن الدعوة لحرق مقار المخالفين للرأى، لن تكون مجرد تهديدات جوفاء لا يأخذها أحد بجدية !