أعتقد أن أي متخصص في مجال الهندسة بجميع فروعها قد سمع بمعهد ماساشوستس التقني (إختصاراً MIT) بولاية ماساشوتس الأمريكية لأنه المصنف الأول في جميع تصنيفات الهندسة تقريباً على مستوى العالم وأنا هنا استخدم التصنيفات في كل تخصص لأن من وجهة نظري أن نقول أن جامعة معينة هي الأولى على العالم هي كلمة لا معنى لها لأنها قد تكون قوية في تخصص وضعيفة في تخصص آخر (وقد تكلمنا باستفاضة عن هذه النقطة في مقال سابق فلن نعيد الكلام هنا).
ويجب ألا ننخدع بكلمة "معهد" الموجودة في الإسم فهي جامعة بها تخصصات عدة وتصنيفها مرتفع جداً في التخصصات العلمية والهندسية على وجه الخصوص، المهم أن هذه الجامعة محافظة على المركز الأول عالمياً أو الثاني في أغلب تخصصات الهندسة لكن ماذا حدث فيها الأسابيع القليلة السابقة ومازالت توابعه تتوالى حتى الآن؟
في أحد أكبر المعامل في MIT تم الكشف عن أن تمويلات بالملايين في السنوات الأخيرة قد حصل هذا المعمل عن طريق الملياردير جيفري إبشتاين (Jeffrey Epstein) وهو الملياردير الذي تمت إدانته في المحكمة مؤخراً بتهمة الإتجار في الأطفال وتسهيل الدعارة وقد إنتهى الأمر بإنتحاره في زنزانته الشهر الماضي، المشكلة فجرتها مجلة النيويوركر ذائعة الصيت في مقال نشر هذا الشهر تثبت فيه أن الجامعة كانت على علم بمخالفات هذا الرجل والذي قد قدم للمحاكمة (مرة سابقة قبل المرة الأخيرة وتمت إدانته أيضاً) منذ أكثر من عقد من الزمان ومع ذلك قبلت التبرع وساعدت هذا الرجل على أن "يغسل سمعته" ونشرت مجلة النيويوركر مجموعة من الإيميلات من داخل هذا المعمل تؤكد سعي مدير المعمل ومساعديه على إخفاء إسم المتبرع أي أن الموضوع متعمد، عند فضح هذا الأمر استقال رئيس هذا المعمل الكبير وخرج رئيس الجامعة يعتذر وتعهد بالتبرع بنفس المبلغ الذي حصلت عليه الجامعة وهو حوالي سبعة ملايين دولار ونصف للمؤسسات الخيرة التي تحارب الإتجار بالأطفال، كما استقال بعض كبار العاملين في هذا المعمل.
طبعاً خرجت بعض الأصوات تدافع باستحياء عن مدير هذا المعمل جوا إيتو (Joi Ito)، يقولون في دفاعهم أن هناك عدة أنواع من المتبرعين: من كانت أخلاقه حسنة وثروته من مصدر نظيف ومن كانت أخلاقه سيئة لكن ثروته من مصدر نظيف ومن كانت أخلاقه سيئة وثروتة من مصدر غير نظيف وتضع هذا الملياردير في النوع الثاني ومن ثم يمكن الحصول على تبرعه ولكن دون ذكر إسمه علانية (كما فعلت الجامعة) حتى لا تساعد على تلميع صورته، ما رأيك أنت عزيزي القارئ في هذا المنطق؟
ماذا نستفيد من تلك القصة؟
نستطيع أن نرى بكل وضوح أن من أهم أهداف الجامعات لتكمل المسيرة هي الحصول على تبرعات، الوظيفة الأساسية لرئيس جامعة في أمريكا (بخلاف النظام عندنا في مصر) هي جمع التبرعات للجامعة وليس له تدخل كبير في العمل الأكاديمي أو الترقيات أو التعيينات، أعلى منصب أكاديمي في الجامعات الأمريكية يسمى (provost) وهو أعلمى من عمداء الكليات، المهم أن رئيس الجامعة وظيفته في الأغلب الأعم في جامعات أمريكا هي جلب المال للجامعة ويكون ذلك عن طريق التواصل مع الشركات الكبرى وخريجي الجامعة الأثرياء وهكذا، إذا الحصول على التمويل مهمة أساسية ولا عيب فيها خاصة أن أغلب الجامعات الكبرى وذات الترتيب المتقدم هي جامعات خاصة، هل تفعل جامعاتنا ما في وسعها لجلب تبرعات؟
الشئ الثاني هو رؤية رجال الأعمال للجامعات وتمويل البحث العلمي والتعليم من أشرف الأشياء لذلك حتى من يريد "غسل إسمه" مثل ذلك الملياردير الذي ذكرناه يتبرع للجامعات.
لنأمل أن نرى رجال الأعمال عندنا والشركات تساعد في تمويل جامعاتنا فهذا من أشرف الأشياء كما قلنا ولماذا لا يكون في كل جامعة منصب لشخص تكون وظيفته الترويج للجامعة وجمع التبرعات لها مع طبعاً التأكد من مصادر التبرعات.
الغريب أن هناك جامعة أخرى قريبة من MIT (على مسافة عدة كيلومترات منها) وقد حصلت أيضاً على تمويل من هذا الملياردير المنتحر وتجري تحقيقات داخلية ... جامعة هارفارد!