نشر موقع لعبة الأمم مقالا للكاتب سامى كليب، تحدث فيه عن بدعة السلم الأهلى وكأنها هى أساس بناء الدولة اللبنانية، متسائلا ما الذى يمنع من نشوب حرب أهلية والشعب اللبنانى يقوده طائفيون منقسمون حول مفهوم الدولة ونظامها، مختتما مقاله بأن الحل هو إقامة دولة القانون وتعزيز روح الانتماء إلى الوطن لا إلى الطوائف والمذاهب.. جاء فيه ما يلى.
يتحفنا عباقرة السياسة فى لبنان منذ فجر الاستقلال حتى اليوم ببدعة «السلم الأهلى» وكأنها فعلا هى التى، تؤسس مفهوم الدولة وتبنى المؤسسات، ثم حين يهتز هذا السلم الأهلى الهش كل 5 أو 10 أعوام ويُقتل أبرياء، ينتفض أهل النخوة من العباقرة أنفسهم للمطالبة بالحفاظ على السلم الأهلى، والشعب إما يصدق هذه الكذبة بفعل موروث البراءة، أو لا يعترض عليها بفضل التبعية لأحزاب وشخصيات وزعامات ما عدنا نعرف يسارها من يمينها، أو يلوذ بالانكفاء والصمت بسبب اليأس أو القناعة الضمنية بأن شيئا لن يتغيّر، ذلك أن الجماعة السياسية حين تقرر مع رعاتها من الدول الخارجية أنه حان وقت السلم الأهلى، تتفاهم فى ما بينها فوق جثث الضحايا وكأن شيئا لم يكن.
الآن وبعد مجزرة الطيونة التى أعقبت المجزرة القضائية وتسبق مجازر الانتخابات وترسيم الحدود، تعود نغمة السلم الأهلى لتحتل مساحة جيدة فى مقابلات وخطابات وتصريحات الجماعة السياسية، ويضيف عليها عباقرة علم السياسة فى لبنان صفة أكثر جذبا اسمها، «التوازنات الداخلية» التى يجب عدم الإخلال بها، وهذه التوازنات تشبه إلى حد بعيد حدود المناطق التى كان يتقاسمها أهل مافيات المخدرات من كولومبيا إلى إيطاليا.
لا يحتمل لبنان حاليا حربا واسعة، لكن ما حصل فى منطقة الحدود التاريخية البغيضة بين الشرقية والغربية للعاصمة بيروت الثكلى منذ تفجير المرفأ المقصود، كاد يدفع البلاد صوب شيء يشبه الحرب الأهلية، وهذا ما يدفع إلى سؤال واضح: ما الذى سيحول لاحقا دون الحرب طالما اللبنانيون الذين يقودهم طائفيون حتى ولو كان جل القادة غير متدينين بالمعنى التقليدى للإيمان، منقسمين حيال مفهوم الدولة وانتمائها ومستقبلها ونظامها؟
ثم السؤال الآخر: هل فعلا أن الحوارات الإقليمية وأجواء الانفتاح خصوصا على المسار السعودى الإيرانى، ستبرّد جبهات الداخل، أم أنها تتطلب مزيدا من الاشتعال، كما هو الحال فى اليمن والعراق وسوريا حتى تترتب الصفقات الكبرى؟
لا يوجد جواب واضح الآن، لكن الأكيد أن اللبنانيين لم يتعلموا شيئا من التاريخ، فقانون العفو الغريب الذى أريد له بعد الحرب الأهلية طى صفحة قتل وجرح مئات آلاف اللبنانيين، أبقى الجرح غائرا وشجّع على استئناف العنف بلا محاسبة، بينما فى جنوب أفريقيا مثلا اختلف مفهوم المصالحة الوطنية، بحيث جرت اعترافات ومحاكمات وتم التأسيس لإقامة دولة حقيقية تلغى تاريخا قاسيا ودمويا من العنصرية. يختلف اللبنانيون على كل شيء لكنهم يتفقون على استئناف الحرب حين تتحرك غرائزهم المذهبية، وذلك رغم أن غريزة البقاء لم تتحرك رغم كل الظلم الاقتصادى الذى لحق ويلحق بهم كل يوم، حتى ليكاد المرء يشعر بأن التبعية أهم من قوت الأطفال.
فى علم النفس والجريمة، غالبا ما يعود القاتل إلى مسرح جريمته، والمؤسف أن لبنان خير مثال على تطبيق هذه النظرية، فبين حين وآخر يتحرك أحد القتلة فى مساحته الجغرافية والمذهبية ليلغى الوطن، ولذلك فإن العودة إلى كذبة «السلم الأهلى» بدلا من إقامة دولة القانون والعدالة الاجتماعية وفصل السلطات وتعزيز روح الانتماء إلى الوطن لا إلى الطوائف والمذاهب والقبائل، ستكون كما حالها دائما ضد الدولة وجسرا لقتل الأبرياء بين حين وآخر.