حكم صادم وتوقيت بائس - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الأربعاء 23 أكتوبر 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكم صادم وتوقيت بائس

نشر فى : الإثنين 21 نوفمبر 2016 - 1:10 م | آخر تحديث : الإثنين 21 نوفمبر 2016 - 1:10 م

لم نكد نفرغ من قراءة التقارير التى نشرتها صحف صباح السبت عن عشرات الشبان الذين تم العفو عنهم بقرار جمهورى، وطالعنا فيها صور الأهالى وهم يستقبلون ذويهم بالأحضان والزغاريد، حتى صفعنا حكم الحبس الذى صدر ضد نقيب الصحفيين المصريين واثنين من زملائه، أقول صفعنا لأنه فاجأنا بما لم يخطر على البال، ولأنه حدث لا سابق له فى تاريخ الصحافة، الأمر الذى يعد وصمة فى سجل السياسة المصرية، ذكرتنا بصدمة اقتحام الشرطة للنقابة لاستخراج اثنين من الزملاء احتميا بها، بعدما ظنا أن للنقابة حصانة ولمهنة الصحافة احتراما.
اقترنت الوصمة بالدهشة التى سبق أن انتابتنا حين تم اقتحام النقابة دون مبرر فى أوائل شهر مايو الماضى، ذلك أن عملية المداهمة والاقتحام حدثت فى وقت كان نقيب الصحفيين يتفاوض مع مسئولى الداخلية لتسليم الزميلين استجابة لأمر الاستدعاء. ومن ثم كان يمكن معالجة الأمر فى هدوء وسلاسة بما يجنبنا الذعر والغضب اللذين انتشرا فى المحيط الصحفى فضلا عن الفضيحة التى ترددت أصداؤها فى العالم الخارجى. أما ما حدث بعد ذلك فكان أكثر إدهاشا وأعجب، ذلك أن الزميلين اللذين ألقى القبض عليهما بسبب تظاهرهما السلمى دفاعا عن جزيرتى تيران وصنافير وتم إيداعهما أحد السجون، ثم حكم باخلاء سبيلهما حين أحيل الأمر إلى القضاء. فى وقت لاحق صدر حكم المحكمة الإدارية لصالح مصرية الجزيرتين وبطلان الاتفاق على إلحاقهما بالسعودية .
هدأت الضجة بعد ذلك ونسى أكثرنا الموضوع. ولم ننتبه إلى أن ثمة قضية أخرى اتهم فيها نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة بإخفاء مطلوبين للعدالة وهذه ظلت تتحرك فى صمت إلى أن فوجئنا بتحديد موعد للحكم الذى صدمنا حين قضى بمعاقبة النقيب والزميلين بالحبس سنتين وغرامة عشرة آلاف جنيه لكل منهم.
وجه العجب فى الموضوع أن الحكم صدر فى اللا قضية وسط أجواء فرحة التى غمرت كثيرين جراء العفو عن الدفعة الأولى من الشبان المحبوسين فى بادرة مقدرة محملة بمعانٍ على النقيض تماما من الرسالة التى تلقيناها حين بلغنا نبأ الحبس المهين للنقيب وزميليه. وهو ما دعا أحد الزملاء إلى القول محقا بأن قرار الحبس أدى إلى اغتيال قرار العفو. كأن هناك من ساءه أن تشيع أجواء الفرح ذات يوم فى دائرة محدودة من البشر فأطلق فرقعة الحبس التى كانت بمثابة «كرسى فى الكلوب» كما يقول التعبير الدارج، وهو ما أفسد «الفرح» وأشاع جوا من الغم والاكتئاب فى محيط أهل المهنة.
جاء الحكم صادما وكان التوقيت بائسا. ولست ألوم القاضى بطبيعة الحال فالرجل حكم بمقتضى شهادات وتقارير قدمت إليه، أما تزامن إصدار الحكم مع صدور قرار العفو فلست أشك فى أنه مجرد مصادفة سيئة محت أثر العفو، وأساءت إلى النظام القائم أيما إساءة، إلا أن ذلك لا ينفى أن ثمة سوء تقدير فى إخراج العملية، ذلك أن أجواء العفو كانت تسوغ تسوية القضية بطريقة مختلفة تجنبنا الصدمة والفضيحة، ورغم أن الموضوع لا علاقة له بالعنف ولا الإرهاب، فضلا عن أن المتهمين فى الاحتماء بالنقابة تم اخلاء سبيلهما فإن الإخراج الذكى كان يقتضى إقامة فاصل زمنى بين الحدثين إذا لم يكن من الحكم بد.
سوء الإخراج ملاحظة تكررت فى مواقف كثيرة أحدها فى تزامن تعويم الجنيه مع رفع الأسعار الذى اعتبر بمثابة توجيه ضربتين موجعتين على الرأس فى وقت واحد، وهو ما جعلنا فى حيرة من الأمر فقد فرض علينا أن نتنازل عن الحلم الديمقراطى، وتصورنا مخرجا فى بديل المستبد العادل بمعنى الحازم لكن هذه الوصفة لم تنجح فتعين علينا أن نخفض من سقف توقعاتنا بحيث صرنا نتعلق بأمل الذكاء وليس العدل لكن حتى هذا صرنا نفتقده، الأمر الذى يكاد يوصلنا إلى طريق مسدود.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.