القاهرة التي تشغلنا - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهرة التي تشغلنا

نشر فى : الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 7:55 م

حضرت خلال الأسبوع الماضى فقط ثلاث فاعليات مهمة معنية بما يجرى فى القاهرة من تغييرات فى نسيجها العمرانى، الأمر الذى يصل إلى حد التأكيد على أن مدينة جديدة قد تولد هذه الأيام، وربما لا صلة بينها وبين المدينة التى كنا نعرفها.
ركزت الفعالية الاولى التى كانت بمناسبة إطلاق كتاب (القاهرة مؤرخة) الصادر عن دار العين بإشراف خبير التخطيط العمرانى البارز د. نزار الصياد على التاريخ من خلال دراسات ومقالات مطولة قدمها ١٢ خبيرا فى مختلف المجالات التى تصل التاريخ والجغرافيا والآثار والعمارة وقد أجمع المشاركون على أن القاهرة عاشت طوال تاريخها جملة من التغييرات التى اختلفت فى حدتها وقدرتها على إضافة طبقة من الجمال تضاف لطبقاتها المتلاحقة، لكن أنجح المحاولات كما أوضحت الخبيرة المعمارية اللامعة أمنية عبدالبر جاءت خلال عصر المماليك الذين اهتموا باكتساب رضا الناس من خلال الخدمات التى سعوا إلى تقديمها فى عملية ناجحة للتفاوض واستغلال الفراغات العامة وهو أمر لم يعد قائما الآن حيث تخضع التغييرات الحالية لرؤية فوقية لا تصل إلى الناس لإدراك قيمتها أو قيمة ما تمثله، وهى أزمة أخرى فى طريقة التعامل مع المجال العام.
وقبل ذلك بعدة أيام كنت فى حضرة المعمارى الدكتور طارق والى الذى حدثنى عن قدرة المجتمع المدنى القديم خلال عصر طوائف الحرف على ابتكار حلول معمارية كانت تنسجم مع النسيج العمرانى للمدينة وتمنحه دوما المرونة التى كانت تسمح باستيعاب التغييرات والتطورات التى يطرحها الكتاب الجديد على مائدة بحث عامرة بتصورات مختلفة لا تبتعد عما يجرى حولنا، فقد طرح الجغرافى البارز عاطف معتمد تساؤلات مهمة عن العاصمة الإدارية الجديدة ومدى قدرتها على اضافة نسيج عمرانى جديد، لافتا إلى تحدٍ جديد ناتج عن الاتجاه نحو الشرق وليس الغرب فى التعامل مع القاهرة بخلاف ما كان قائما فى الأزمنة السابقة.
اما الحدث الثانى الذى ارغب فى لفت النظر إليه فهو المعرض الذى تنظمه فوتوبيا فى مقرها بمصر الجديدة للمصور أكاشى المتخصص فى تصوير الفضاءات العامة والذى عمل مع مؤسسات عديدة أهمها ناشيونال جيوجرافيك وقد ضم المعرض مجموعة نادرة من الصور التى التقطها لمقابر القاهرة أو مدينة الموتى وتعود لعام 2016 وهى مجموعة هائلة تظهر حجم التغييرات التى حدثت خلال اقل من 8 سنوات، وهو أقرب إلى وثائق مرئية لتأكيد وجود علامات لم يعد لها أى وجود اليوم، وهذه المسألة تمنح قيمة اضافية للحدث الثالث الذى يمثله معرض (لا زالت هنا) للمصور المدهش يحيى العلايلى والمقام فى جاليرى اوبنتو بالزمالك.
يحاول هذا المعرض التمسك بالمدينة التى تختفى، ويرفع شعارا يماثل ما كتبه الشاعر اليونانى كفافيس عن مدينته الإسكندرية التى (يفقدها الآن)، يواجه المعرض بوعى مدهش فكرة زوال المدينة، ويتوقف بحساسية مفرطة فى بلاغتها أمام الجدران الباهتة كأنه يوشك على مسح دموعها التى على وشك السقوط.
تمسك الكاميرا باللحظات الهاربة وتواجه الحنين وتتحداه، يصور قطع الديكور وأجهزة التلفزيون القديمة، وتذهب بعين الرائى إلى ما غاب من علامات
يوثق المعرض لعلامات أخرى ويخلد صمودها واصرار اصحابها على ان تبقى قائمة بطريقة أكبر من معنى الأسى.
وفى غرفة كاملة يقيم العلايلى محاكاة لحالة السينما الصيفى وهى حالة لا تعرفها الأجيال الجديدة التى يغيب عنها طقس المشاهدة ومعنى البقاء فى الظلام والنظر إلى السماء، يقدم معرض العلايلى الكثير من المعانى التى تقرب الصورة من كثافة الشعر وتمنحها الخلود الذى تستحقه.
وأخيرا لعل أجمل ما فى الأحداث الثلاثة ان عشاق القاهرة ما زالوا هنا، يصرون على اداء أدوارهم والتعبير عن عشق لا يصل بهم إلى حد اليأس ومطاردة الحنين.