نشر موقع Project Syndicate مقالا يوضح كيف تؤدى هيمنة الرجل على مواقع صنع واتخاذ القرار، واعتباره المعيار عند إجراء البحوث العلمية والطبية، إلى التأثير السلبى على حياة المرأة النفسية والجسدية... نعرض من المقال ما يلى:بداية، وجود «قضايا المرأة» يعنى ببساطة أننا نعيش فى عالم يحكمه الرجل. فعلى مدى قرون من الزمن، كانت البحوث والسياسات التى تركز على الرجل هى المعيار؛ فى حين كانت المبادرات التى تأخذ فى الاعتبار المرأة «تخص المرأة فقط»! وإذا اعتُبر الرجل على أنه هو المعيار، فلن يُبنى أو يُحسن أى جانب من جوانب حياة المرأة.
يمكن أن تكون العواقب قاتلة. على سبيل المثال، تكون المرأة أكثر عرضة للإصابة بحوادث السيارات بنسبة 73 فى المائة، وأكثر عرضة للوفاة بنسبة 17 فى المائة مقارنة مع الرجل. وأحد أسباب ذلك هو أن دمى اختبار التصادم المستخدمة فى تجارب سلامة المركبات مصممة لمحاكاة جسم الرجل العادى. ولم تُطور الدمى «الأنثى» حتى العام الماضى، ولا تزال الهيئات التنظيمية لا تشترط إدراجها فى الأبحاث المتعلقة بسلامة المركبات!.
• • •
ومع أن المرأة لم تعد مستبعدة من التجارب السريرية للعقاقير، فإن نسبة تمثيلهن ما زالت ضعيفة، خاصة فى المراحل المبكرة من التجارب. والنتيجة هى أن المرأة ما زالت تواجه خطر الإصابة بالآثار الجانبية الضارة الناجمة عن الأدوية بدرجة أكبر، لأسباب أهمها أن الجرعات الموصى بها ليست مناسبة للمرأة. إذ أظهر تحليل لدراسات أعطيت فيها المرأة نفس جرعة الدواء التى حصل عليها الرجل، أنه فى أكثر من 90 فى المائة من الحالات، تعرضت المرأة لآثار جانبية أقوى وردود فعل سلبية أكثر.
واستُنبط هذا التحليل عندما لوحظ أن النساء اللاتى تناولن دواء «أمبين»، وهو دواء منوم، تعرضن لآثاره الجانبية الحادة، بما فى ذلك التسبب فى ارتفاع معدل حوادث المرور فى صباح اليوم التالى بعد تناولهن الدواء. واتضح لاحقا أن الأبحاث خلَصت إلى أن الجرعة الموصى بها أنتجت لدى النساء نسبا أعلى بكثير من تركيز الدم ووقتا أطول للتخلص من الدواء مقارنة مع الرجال. وتوصى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية الآن بأن تتلقى النساء نصف الجرعة «القياسية».
ومما يزيد الأمر سوءا هو أنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الصحية التى تؤثر فى المقام الأول على النساء، فإن الأبحاث لا تُمول على الإطلاق. وعندما يتعلق الأمر بالأمراض التى تؤثر فى المقام الأول على جنس واحد، فإن الكَفة فى 75 فى المائة تقريبا من الحالات تميل للرجل: «الأمراض التى تصيب الرجال» تحظى بفائض فى التمويل، و«أمراض النساء» تعانى من نقص التمويل!.
• • •
كما أن المرأة تصنف فى المرتبة الثانية بعد الرجل عندما يتعلق الأمر بمعالجة قضايا العنف الجنسى. ولأن المرأة تشكل الأغلبية الساحقة من ضحايا مثل هذه الجرائم، فإن قضية منع العنف الجنسى تعتبر فى جميع جوانبها «قضية تخص المرأة» ــ وهى قضية لا تخلف أى عواقب على الرجل، مع أنه يشكل أغلبية مرتكبى هذه الجرائم. وتركز السياسات على الضحايا لدرجة أن مصدر العنف لا يعالج أبدا. فهى تتمثل، على سبيل المثال، فى: تحسين الإضاءة الخارجية، واستحداث أرقام هاتفية، وتهيئة «أماكن آمنة».
• • •
كذلك، تُستقى البيانات المتعلقة بالصحة أساسا من الرجال، مما يشكل مخاطر جسيمة نظرا لاستخدام الذكاء الاصطناعى المبرمج على أساس هذه البيانات فى الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، إذا أبلغ رجل عن ألم على مستوى ذراعه اليسرى وظهره، فإن أحد التطبيقات الطبية ــ المستندة إلى البيانات التى مفادها أن المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية هم من الذكور فى الغالب ــ سوف يوصيه بطلب المساعدة لاحتمال تعرضه لنوبة قلبية. وقد يخبر هذا التطبيق نفسه المرأة بأنها تعانى من الاكتئاب لذا فهى لا تحتاج إلى رعاية عاجلة، مع أن النساء ليس لديهن مناعة من النوبات القلبية.
يمكن للذكاء الاصطناعى أن يؤذى النساء أيضا. إذ فى عام 2015، ألغت أمازون أداة التوظيف المعتمدة على الذكاء الاصطناعى لإظهارها التحيز إزاء المرأة. فبعد أن بُرمجت على تقييم الطلبات استنادا إلى نماذج من السير الذاتية توصلت بها الشركة على مدى العقد الماضى ــ أغلب مُرسلى هذه السير من الرجال ــ أعطى نموذج الكمبيوتر المرشحين الذكور تقييما أعلى من النساء. ولا غرابة فى ذلك، نظرا لأن النساء يمثلن 12 فى المائة فقط من الباحثين فى مجال الذكاء الاصطناعى و6 فى المائة من مطورى البرمجيات. والعديد من الشركات الأخرى التى تواصل استخدام برامج الذكاء الاصطناعى للتوظيف لا تتحقق مما إذا كانت متحيزة.
ورغم وجود أدلة كثيرة تثبت أن التقدم نحو المساواة بين الجنسين له دور مهم فى الدفع قدما بالتقدم الاقتصادى، فإن التحليل الذى يركز فقط على الجوانب الكلية للنمو يتجاهل المساواة بين الجنسين. إن تجاهل كون الإنفاق الحكومى والضرائب والسياسة النقدية تؤثر على الرجال والنساء بطرق مختلفة، يمكن أن يؤدى إلى تقييمات اقتصادية مخلة، مما يقوض فعالية السياسات ودقة التوقعات.
فعلى سبيل المثال، لا تأخذ سياسة الاقتصاد الكلى فى الاعتبار عمل المرأة غير المدفوع الأجر فى مجال الرعاية الأولية. فتقديم مهام مثل الطهى، والتنظيف، وجلب المياه، ورعاية الأطفال والمسنين، عامل له قيمة اقتصادية كبيرة. فهى تمثل ما بين 10 فى المائة إلى 60 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. ونتيجة للتحليل الجنسانى، فإن المرأة تعمل فوق طاقتها وتتقاضى أجورا زهيدة. إن زيادة حصة المرأة فى القوى العاملة يجب أن تكون مقرونة بسياسات تقلص من هذا العمل غير مدفوع الأجر وتعيد توزيعه.
لنأخذ على سبيل المثال النقاش الذى يتناول موضوع الآفاق الاقتصادية فى الهند. نظرا لتفوق الهند على الصين من حيث عدد السكان فى الآونة الأخيرة، يتوقع بعض المحللين أنها ستتفوق أيضا فى النمو الاقتصادى. ولكن توضح أشوينى ديشباندى، وأكشى تشاولا، أن هذا لن يتحقق إلا إذا كانت الزيادة السكانية تنعكس فى القوى العاملة، وفى الهند، يؤدى انخفاض مشاركة الإناث فى القوى العاملة إلى الحد من فعالية هذا التفوق.
ويضطلع النوع الاجتماعى بدور حاسم فى عدد لا يحصى من مجالات السياسة الأخرى، بما فى ذلك التحدى الأكبر الذى يتسم به عصرنا والمتمثل فى تغير المناخ. فعلى غرار معظم القضايا الأخرى التى تتناولها أهداف التنمية المستدامة، فإن تأثيرات الانحباس الحرارى العالمى، بما فى ذلك الكوارث المرتبطة بالمناخ، تؤثر على النساء أكثر من غيرهن.
• • •
عندما يُنظر إلى عنصر يشكل نصف سكان العالم على أنه ثانوى، تصبح الأبحاث أقل دقة، وتصبح السياسات أقل فعالية، وتتراجع رفاهية الإنسان. ولن يتغير هذا حتى يصبح الاعتبار الصريح للنساء القاعدة المعتمدة فى كل مجال من مجالات البحث، وتصميم المنتجات، والتكنولوجيا، والسياسات.
النص الأصلى: