الانطباع السائد عن سامي عنان أنه قائد عسكرى كلاسيكى لا تنقصه الصرامة، عقليته السياسية لا تتعدى أفق دولة مبارك، وباعتباره ابنا بارا لها فإنه يعادى بطبيعة الحال ثورة يناير بكل ما نادت به من شعارات بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، وبكل مطالبها بالتعددية السياسية وتداول السلطة وإنهاء هيمنة أجهزة الأمن على كامل تفاصيل حياتنا العامة بكل مؤسساتها الحزبية والنقابية والتعليمية والصحفية والإعلامية والثقافية بل والفنية والرياضية أيضا.
لكن الرجل، فى خلال أيام قليلة فقط، نجح فى إجراء تغييرات كبيرة على الصورة الذهنية المشهورة عنه، فبجانب إشارته فى خطابه القصير الذى أعلن فيه نيته الترشح لرئاسة الجمهورية إلى ضرورة استعادة قيم ديمقراطية وحقوقية يتضمنها الدستور تم تغييبها عن المشهد السياسى الراهن، فقد جاء اختياره لكل من د. هشام جنينة ود. حازم حسنى كنائبين أو مساعدين له إشارة واضحة بأنه ينوى تقديم مشروع سياسى مناهض لكل التوجهات الاقتصادية والسياسية الحالية فى مصر، وهو ما يمكن رصده فى ثلاث نقاط أساسية:
ــ إعادة الدماء لشرايين السياسة المسدودة بتأكيد عنان فى خطابه على أن سبب كل مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية واهدار مواردنا، هو تهميش القطاع المدنى فى الدولة، وتحميل الجيش وحده عبء حلها.
ــ انحيازه الواضح إلى ضرورة تفعيل نظام سياسى ديمقراطى تعددى يحترم الدستور والقانون، ويستند إلى إحياء قيم النظام الجمهورى وعلى رأسها تقاسم السلطة بين مؤسسات الدولة.
ــ إعلانه تكوين بنية مدنية فى تركيبة مؤسسة الرئاسة باختياره الذكى لجنينة وحسنى كـ«نائبين» له بأفكارهما وتوجهاتهما المؤيدة لقيم ثورة يناير، يعطى دلالات واضحة على طبيعة توجهاته السياسية التى تريد أن تبنى جسورا للتلاقى مع ملايين الغاضبين فى مصر وبخاصة فئات الشباب، وتفتح أمامهم أبوابا موصدة فى وجوههم لكى يشاركوا فى الشأن العام.
على الرغم من كل ذلك، فإن العقبات التى تواجه عنان لا تقتصر فقط على تجاوزه الألغام التى يضعها البعض أمامه لمنعه من الترشح أصلا، فنحن لا نعرف سوى عناوين عريضة يمكن أن نستشف من خلالها ما يستهدف الرجل تحقيقه إذا فاز بالرئاسة، ولكننا لا ندرى شيئا عن الطريقة أو الآلية التى سيحل بها أزماتنا المتفاقمة، بداية من مفاهيم العدالة الانتقالية التى يمكن أن تفتح مجالا واسعا للمصالحة الوطنية وتخفيف الاحتقان السياسى فى البلاد والقضاء على أكبر مسببات الإرهاب، مرورا بكيفية التعامل مع روشتة صندوق النقد الدولى فيما يسمى بالإصلاح الاقتصادى والتى تسببت فى رفع الأسعار وزيادة معدلات الفقر، ومواجهة أزمات المياه بعد سد النهضة، نهاية باستحقاقات ما يسمى بصفقة القرن والعلاقات مع إسرائيل وأمريكا، والعلاقات الإقليمية بمحاورها المتصارعة على الهيمنة على المنطقة.
الشىء الوحيد المؤكد حدوثه إذا تم قبول ترشح عنان هو أننا سنشهد انتخابات حقيقية، ستشارك فيها نسب كبيرة من الناخبين تبعد عنها شبح المقاطعة الذى يهددها، وستفتح الكثير من الملفات المسكوت عنها فى حياتنا السياسية، بل ربما تحمل فى طياتها إمكانيات واسعة لوقف مساع دءوبة يبذلها البعض لإهدار مواد الدستور التى تتعلق بالحقوق السياسية والاقتصادية.
دخول عنان السباق الرئاسى فى نظر الكثيرين من المعارضين اختبار حقيقى لشرعية لنظامنا السياسى ومدى ديمقراطيته، وفوزه فى الانتخابات يحيى آمالهم فى إمكانية توسيع المجال العام أمام مشاركات شعبية حقيقية فى صنع القرار، وتحريك المياه الراكدة فى حياتنا السياسية برمتها، قبل أن تنفجر براكين من الفوضى غير المسئولة وغير المحسوب عواقبها!